الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } * { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } * { وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } * { وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً }

قرأ نافع وابن عامر وعاصم: " وَوَلَدُهُ " بفتح الواو واللام. وقرأ الباقون: بضم الواو وسكون اللام.

قال الزجاج: هما بمعنى واحد، كالعُرْب والعَرَب، والعُجْم والعَجَم.

وقرأ الحسن وأبو العالية والجحدري: بكسر الواو وسكون اللام.

والمعنى: أن الأتباع والفقراء اتبعوا الأغنياء والكبراء الذين زادتهم أموالهم وأولادهم خساراً في الآخرة.

قوله تعالى: { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } يعني: الرؤساء احتالوا في إبطال الدين وكيد نوح مكراً عظيماً.

وقرئ: " كُبَاراً " بالتخفيف مع ضم الكاف وكسرها، وكلها لغات. وقد أشرنا إليها في أول ص.

{ وَقَالُواْ } أي: وقال بعضهم لبعض { لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ } أي: لا تَدَعُنَّ عبادتها { وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً }. وضم الواو من " وَدّاً ": نافع، وهذه أسماء أصنامهم.

قال المفسرون: انتقلت عنهم إلى العرب، ولذلك سَمّت العرب بعبد وُدّ، وعبد يغوث.

أخبرنا الشيخان أبو القاسم وأبو الحسن، قالا: أخبرنا عبد الأول، أخبرنا عبدالرحمن، أخبرنا عبدالله، أخبرنا محمد، حدثنا البخاري، حدثنا إبراهيم [بن] موسى، حدثنا هشام، عن ابن جريج، وقال عطاء: عن ابن عباس: " صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد؛ أما وُدّ فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سُواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق فكانت [لهمدان]، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تُعبد حتى إذا هلك أولئك ونُسخ العلم عُبدت " انفرد بإخراجه البخاري.

قال الزجاج: " يغوث ويعوق " لا ينصرفان؛ لأنهما في وزن الفعل، وهما معْرفتان.

وقرأ الأعمش: " يغوثاً ويعوقاً " بالصرف.

قال الزمخشري: هذه قراءة مشكلة؛ لأنهما [إنْ] كانا عربيين أو عجميين ففيهما سَبَبَا عدم الصرف: إما التعريف ووزن الفعل، وإما التعريف والعجمة؛ ولعله قصد الازدواج فصرفهما، لمصادفته أخواتهما منصرفات؛ وُدّاً وسُواعاً ونسراً، كما قرئ:وَضُحَاهَا } [الشمس: 1] بالإمالة، لوقوعه مع الممالات؛ للازدواج.

قوله تعالى: { وَقَدْ أَضَلُّواْ } يعني: الأصنام، وقيل: الرؤساء، { كَثِيراً } يريد: خلقاً كثيراً من الناس.

وهذا من شكاية نوح عليه السلام إلى ربه عز وجل.

ثم دعا على [قومه] حين أَيِسَ من إيمانهم فقال: { وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً }.