الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ }

" أَمْ " هذه فيها أربعة أقوالٍ:

الأول: أنْ تكون منقطعةً فتتقدَّر بـ " بل " والهمزة. فـ " بل " لإضراب انتقالٍ من إِخْبَارٍ إلى إِخْبَارٍٍ، والهمزةُ للتقرير. والتقدير بل حسبتم.

والثاني: أنها لمجرد الإضراب مِنْ غير تقدير همزة بعدها، وهو قول الزَّجَّاج وأنشد: [الطويل]
1038 - بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشِّمْسِ فِي رَوْنَقِ الضُّحَى   وَصُوَرتِهَا أَمْ أَنْتِ فِي الْعَيْنِ أَمْلَحُ
أي: بل أنت.

والثالث: وهو قول الفرَّاء وبعض الكُوفيِّين، أنها بمعنى الهمزة. فعلى هذا يُبتدأُ بها في أوَّل الكلام، ولا تحتاجُ إلى الجملة قبلها يضرب عنها.

الرابع: أنها مُتَّصلةٌ، ولا يستقيم ذلك إلا بتقدير جملةٍ محذوفةٍ قبلها.

قال القفَّال: " أمْ " هنا استفهامٌ متوسطٌ؛ كما أَنَّ " هَلْ " استفهامٌ سابقٌ، فيجوز أَنْ يقال: هل عندك رجلٌ، أَمْ عندك امرأَةٌ؟ ولا يجوز أَنْ يقال ابتداءً أَمْ عندك رجل، فأَمَّا إذا كان متوسطاً، جاز سواءٌ كان مسبُوقاً باستفهامٍ آخر، أو لا يكون، أَمَّا إذا كان مسبوقاً باستفهام آخر فهو كقولك: أنت رجلٌ لا تنصف، أفعن جهل تفعلُ هذا،أم لك سلطانٌ؟ وأَمَّا الذي لا يكون مسبوقاً بالاستفهام؛ فكقوله:الۤـمۤ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } [السجدة: 1 - 3] فكذا تقدير هذا الآية: فهدى اللَّهُ الذين آمنوا فصبروا على استهزَاءِ قومهم، أفتسلكُون سبيلهم أم تحسبون أَنْ تدخُلُوا الجنَّةَ مِنْ غيرِ سلوكِ سبيلهم.

" حَسب " هنا من أَخواتِ " ظنَّ " ، تنصبُ مفعولين عند سيبويه، ومسدَّ الأول والثاني محذوفٌ عند الأخفش، كما تقدَّم، ومضارعها فيه الوجهان:

الفتحُ - وهو القياسُ - والكسرُ. ولها نظائرُ من الأفعالِ تأتي إن شاء اللَّهُ تعالى في آخرِ السورةِ، ومعنها الظَّنُّ، وقد تستعملُ في اليقين؛ قال: [الطويل]
1039 - حَسِبْتُ التُّقَى وَالجُودَ خَيْرَ تِجَارَةٍ   رَبَاحاً إِذَا مَا المَرْءُ أَصْبَحَ ثَاقِلاَ
ومصدرُها: الحُسْبان. وتكون غير متعديةٍ، إذا كان معناها الشقرة، تقول: زيدٌ، أي: اشْقَرَّ، فهو أَحْسَبُ، أي: أَشْقَرُ.

قوله: " وَلَمَّا يَأْتِكمْ " الواو للحال، والجملة بعدها في محلِّ نصبٍ عليها، أي: غير آتيكم مثلهم. و " لمَّا " حرف جزمٍ، معناه النفي؛ كـ " لم " ، وهو أبلغ من النفي بـ " لم "؛ لأنَّها لا تنفي إلاَّ الزمان المتصل بزمان الحال. والفرق بينها وبين " لم " من وجوهٍ:

أحدها: أنه قد يحذف الفعل بعدها في فصيح الكلام، إذ دلَّ عليه دليلٌ.

وهو أحسن ما تخرَّج عليه قراءة " وإِنْ كُلاًّ لَمَّا " كقوله: [الوافر]
1040 - فَجئْتُ قُبُورَهُمْ بَدْءاً وَلَمَّا   فَنَادَيْتُ الْقُبُورَ فَلَمْ تَجِبْنَهْ
أي: ولمَّا أكن بدءاً، أي: مبتدئاً؛ بخلاف " لَمْ " فإنه لا يجوز ذلك فيها إلا ضرورة؛ كقوله: [الكامل]

السابقالتالي
2 3 4 5