الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَٰهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ } * { سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

أى { ٱعْلَمُوۤاْ } - أيها المؤمنون علم استجابة وامتثال لما آمركم به - { أَنَّمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } التى تعيشون فيها ما شاء الله لكم أن تعيشوا.. { لَعِبٌ } واللعب هو قضاء الوقت فى قول أو فعل لا فائدة من روائه. { وَلَهْوٌ } واللهو اسم لفعل أو قول يقصد من روائه التلذذ والتمتع، وصرف الآلام والهموم عن النفس. { وَزِينَةٌ } الزينة اسم لما يتزين به الإِنسان من ملبس أو مسكن أو ما يشبههما مما يفعله من أجل أن يكون فى أعين الناس مهيبا جميلا. { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } أى وتفاخر فيما بينكم بالأموال والمناصب والأحساب والأعمال.. وتكاثر فى الأموال والأولاد، والتكاثر تفاعل من الكثرة - كما أن التفاخر تفاعل من الفخر - وصيغة التفاعل جىء بها هنا، للمبالغة فى إظهار ما يتفاخرون به، وما يتكاثرون فيه، حتى لكأنه ينافس غيره فى ذلك ويريد الظهور عليه. والحرص على التفاخر والتكاثر فى الأموال والأولاد، من طبيعة كثير من الناس، كما قال - تعالى -أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } ثم بين - سبحانه - حال الحياة الدنيا، التى يلعب الناس فيها، ويلهون ويتفاخرون. ويتكاثرون. فقال { كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ }. أى هذه الحياة الدنيا حالها وصفتها ومثلها كمثل مطر أعجب الكفار وراقهم وسرهم، ما ترتب على هذا المطر، من نبات جميل نبت من الأرض بعد هطول الغيث عليها. فقوله - تعالى - { كَمَثَلِ } خبر لمبتدأ محذوف، أى مثلها كمثل مطر. والمراد بالكفار هنا الجاحدون لنعم الله - تعالى - الساترون لها، وخصوا بالذكر، لأنهم أشد إعجابا وسروراً وانغماسا فى زينة الحياة الدنيا من غيرهم. وروى عن عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - أن المراد بالكفار هنا الزراع الذين يزرعون الأرض بعد نزول المطر عليها، ويبذورن فيها البذور سموا كفارا من الكفر بمعنى الستر والإِخفاء، يقال كفر الزارع بذره أو زرعه إذا أخفاه فى الأرض، حتى لا يتعرض للتلف أو الضياع. وقوله - سبحانه - { ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً }. والهيجان الاضطراب والثوران، ومنه سميت الحرب بالهيجاء، لأن فيها يضطرب المقاتلون، ويثور بعضهم على بعض. ويرى بعضهم أن معنى { يَهِيجُ } هنا ييبس ويجف. وعطف - سبحانه - جملة { يَهِيجُ } بحرف { ثُمَّ } لإِفادة التراخى الرتبى، إذ أن وصول النبات إلى درجة من الهيجان وبلوغ منتهاه، لا يتأتى إلا بعد زمن طويل من بدء زراعته. ولم يرتض بعض المحققين هذا المعنى فقال تفسير { يَهِيجُ } بييبس فيه تسامح، فإن حقيقته أن يتحرك إلى أقصى ما يتأتى له. أى من الطول والغلظ. أى ثم يتحرك هذا النبات الذى أعجب الكفار إلى أقصى ما يتأتى له من طول وقوة، ثم يبدأ فى الضعف، فتراه - أيها الناظر إليه - نباتا مصفراً متغيراً عما كان عليه من النضرة، آخذا فى الذبول وفى التهيؤ للحصاد.

السابقالتالي
2 3