الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

قوله تعالى { يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ }.. " يا " حرف نداء وهي أم الباب، وزعم بعضُهم أنها اسمُ فعلٍ، وقد تُحْذَفُ نحو:يُوسُفُ أَعْرِضْ } [يوسف: 29] ويُنادىٰ بها المندوبُ والمستغاثُ، قال الشيخ: " وعلى كثرة وقوع النداءِ في القرآن لمَ يَقَعْ نداءٌ إلا بها ". قلت: زَعَمَ بعضُهم أنَّ قراءةَ { أَمَنْ هُوَ قَانِتٌ } [الزمر: 9] بتخفيف الميم أنَّ الهمزةَ فيه للنداءِ وهو غريبٌ. وقد يُراد بها مجردُّ التنبيه فيليها الجملُ الاسمية والفعلية، قال تعالى: { أَلاَ يا اسْجُدوا } [النمل: 25] بتخفيف أَلا، وقال الشاعر:
256ـ ألا يا اسْقِياني قبلَ غارةِ سِنْجالِ   ..............................
وقال الآخر:
257ـ يا لعنةُ اللهِ والأقوامِ كُلِّهمِ   والصالحينَ على سِمْعانَ من جارِ
و " أيّ " اسمُ منادىٰ في محل نصب، ولكنه بُني على الضمِّ لأنه مفردٌ معرفةٌ. وزعم الأخفشُ أنَّها هنا موصولةٌ، وأنَّ المرفوعَ بعدها خبرُ مبتدأ مضمرٍ، والجملة صلةٌ، والتقديرُ: يا الذين هم الناسُ، والصحيح الأول، والمرفوع بعدها صفةٌ لها يلزم رَفْعُه، ولا يجوزُ نَصْبُه على المحلِّ، خلافاً للمازني، و " ها " زائدةٌ للتنبيه لازمةٌ لها، والمشهورُ فتحُ هائِها. ويجوزُ ضَمُّها إتباعاً للياء، وقد قرأ عامر بذلك في بعض المواضع نحو: { أيُّهُ المؤمنون } [النور: 31]، والمرسُوم يساعده.

ولا يجوزُ وَصْفُ " أيّ " هذه إلا بما فيه الألفُ واللامُ، أو بموصولٍ هما فيه، أو باسم إشارة نحو:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ } [الحجر: 6]، وقال الشاعر:
258ـ ألا أيُّهذا النابِحُ السِّيدَ إنني   على نَأْيها مُسْتَبْسِلٌ مِنْ ورائِها
ولـ " أيّ " معانٍ أُخَرُ كالاستفهام والشرطِ وكونِها موصولةً ونكرةً موصوفةً وصفةً لنكرةٍ وحالاً لمعرفةٍ.

و " الناسُ " صفةٌ لأي، أو خبرُ مبتدأ محذوفٍ حَسْبما تقدَّم من الخلاف. و " ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ " جملةٌ أمرية لا محلَّ لها لأنها ابتدائيةٌ.

قولُه تعالى: { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أظهرُها: نصبهُ على النعتِ لِرَّبكم. الثاني: نصبُه على القَطْع. الثالثُ: رَفْعُه على القطعِ أيضاً، وقد تقدَّم معناه.

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } محلُّه النصبُ لعطفِه على المنصوبِ في " خَلَقَكم " ، و " مِنْ قبلكم " صِلةُ الذين، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ على ما تقرَّر، و " مِنْ " لابتداء الغاية. واستشكلَ بعضُهم وقوعَ " مِنْ قبلكم " صلةً من حيث إنَّ كلَّ ما جاز أن يُخْبَرَ به جاز أن يَقَعَ صلةً، و " مِنْ قبلكم " ناقصٌ ليس في الإِخبار به عن الأعيان فائدةٌ إلا بتأويل، فكذلك الصلةُ، قال: " وتأويلُه أنَّ ظرفَ الزمانِ إذا وُصِفَ صَحَّ الإِخبارُ والوصلُ به تقول: نحن في يومٍ طَيِّبٍ، فيكون التقديرُ هنا ـ والله أعلم ـ: والذين كانوا من زمان قبلَ زمانكم "./ وقال أبو البقاء: " التقدير: والذين خَلَقَهم من قبلِ خَلْقِكم، فَحَذَفَ الخَلْقَ وأقام الضميرَ مُقامَه ".

السابقالتالي
2 3