الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً }

قوله: { ثَمَّ } هذا ظرفُ مكانٍ وهو مختصٌّ بالبُعْدِ. وفي انتصابِه هنا وجهان، أظهرُهما: أنه منصوبٌ على الظرفِ. ومعفولُ الرؤيةِ غيرُ مذكورٍ؛ لأنَّ القصد: وإذا صَدَرَتْ منك رؤيةٌ في ذلك المكانِ رَأَيْتَ كيتَ وكيتَ، فـ " رَأَيْتَ " الثاني جوابٌ لـ " إذا ". وقال الفراء: " ثَمَّ " مفعولٌ به لـ " رَأَيْتَ ". وقال الفراء أيضاً: " وإذا رَأَيْتَ تقديره: " ما ثَمَّ " ، فـ " ما " مفعولٌ فحُذِفَتْ " ما " وقامت " ثَمَّ " مَقام " ما ". قال الزمخشري تابعا لأبي إسحاق: " ومَنْ قال: معناه " ما ثَمَّ " فقد أخطأ؛ لأنَّ " ثَمَّ " صلةٌ لـ " ما " ، ولا يجوزُ إسقاطُ الموصولِ وتَرْكُ الصلةِ " وفي هذا نظرٌ؛ لأنَّ الكوفيين يُجَوِّزُون مثلَ هذا، واستدلُّوا عليه بأبياتٍ وآياتٍ، تقدَّم الكلامُ عليها مُسْتوفى في أوائل هذا الموضوع.

وقال ابن عطية: " وثَمَّ ظرفٌ. والعاملُ فيه " رَأَيْتَ " أو معناه، والتقديرُ: رأيتَ ما ثَمَّ، فحُذِفَتْ ما ". قال الشيخ: " وهو فاسِدٌ؛ لأنَّه مِنْ حيثُ جَعَلَه معمولاً لـ " رَأَيْتَ " لا يكونُ صلةً لـ " ما "؛ لأنَّ العاملَ فيه إذ ذاك محذوفٌ أي: ما استقرَّ ثَمَّ ". قلت: ويمكنُ أَنْ يُجاب عنه: بأنَّ قولَه: " أو معناه " هو القولُ بأنَّه صلةٌ لموصول، فيكونان وجهَيْن لا وجهاً واحداً، حتى يَلْزَمَهَ الفسادُ، ولولا ذلك لكان قولُه: " أو معناه " لا معنى له. ويعني بمعناه أي: معنى الفعلِ مِنْ حيث الجملةُ، وهو الاستقرارُ المقدَّرُ.

والعامَّةُ على فتحِ الثاءِ مِنْ " ثَمَّ " كما تقدَّم. وقرأ حميد الأعرج بضمِّها على أنَّها العاطَفَةُ، وتكونُ قد عَطَفَتْ " رأَيْتَ " الثاني على الأول، ويكون فعلُ الجوابِ محذوفاً، ويكونُ فعلُ الجوابِ المحذوفِ هو الناصبَ لقولِه: " نعيماً " ، والتقدير: وإذا صَدَرَ منك رؤيةٌ، ثم صَدَرَتْ رؤيةٌ/ أخرى رَأَيْتَ نعيماً ومُلْكاً. فَرَأَيْتَ هذا هو الجوابُ.