الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ }

قوله تعالى: { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } معناه أنّ الوقت الذي يؤدّى فيه الحجّ أشهر يعلمها الناس، وهي شوّال وذو القعدة وذو الحجّة، أي إنّه يؤدّى في هذه الأشهر، ولا يلزم أن يكون من أوّل يوم منها إلى آخر يوم، بل معناه أنّه يصحّ الإحرام به من غرّة أوّلها وتنتهي أركانه وواجباته في أثناء آخرها، فالوقوف في التاسع من ذي الحجّة وبقيّة المناسك في أيّام العيد وهي يوم النحر الذي فسّر به قوله تعالى:يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ } [التوبة: 3] وأيّام التشريق، وجوّز بعض السلف تأخير طواف الإفاضة إلى آخر ذي الحجّة. وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال بعضهم إنّها الأشهر الثلاثة ومن أوّلها إلى آخرها، ويروى عن ابن مسعود وابن عمر وعليه مالك. وقال بعضهم إنّها شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة، ويروى عن ابن عبّاس وعليه أبو حنيفة والشافعي وأحمد. ولا حجّة في الآية لأحد على تحديده، والمتبادر منها ما ذكرناه. وقوله تعالى: { مَّعْلُومَاتٌ } إقرار لما كان عليه العرب في الجاهلية من أشهر الحجّ؛ لأنّه منقول بالتواتر العملي من عهد إبراهيم وإسماعيل - عليهما الصلاة والسلام - وهو يتضمّن بطلان النسيء فيها؛ لأنّه جاهلي معروف.

وقد استدلّ بالآية على إنّه لا يجوز الإحرام بالحجّ في غير هذه الأشهر؛ لأنّه شروع في العبادة في غير وقتها، كمن يصلّي قبل دخول الوقت، ويروى عن بعض علماء التابعين وعليه الشافعي والأوزاعي وأبو ثور من أئمّة الفقه، وقال أبو حنيفة وأحمد إنّه جائز مع الكراهة، ومالك بلا كراهة.

وقد بحث بعض العلماء في لفظ الأشهر وكونها جمع قلّة، وهل ورد في بيانها نصّ أو إجماع؟ وأقول: إنّه بحث لا وجه له فالمراد بقوله تعالى { مَّعْلُومَاتٌ } إنّها هي أشهر الحجّ المعروفة للعرب قبل الإسلام، ولا خلاف في إنّها الثلاثة التي ذكرناها؛ ولذلك لم يؤثّر عن الصحابة فيها، إلاّ ما قيل في الثالث منها: هل تكون أيّامه كلّها أيّام حجّ، أم تنتهي أركان الحجّ في العاشر منه؟ والآية ظاهرة في أنّ الحجّ لا يكون إلاّ في هذه الأشهر، ولعلّ هذا هو سرّ جعلها خبراً عنه، ولمّا كان أعظم أركانه وهو الوقوف بعرفة يكون في التاسع من الثالث، علم أنّ الحجّ لا يتكرّر فيها، فمن أحرم بالحجّ بعد هذا اليوم فلا حجّ له. قال تعالى:

{ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ } أي أوجبه وألزمه نفسه بالشروع فيه. وقد مرّ بيان كيفيته { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ } تقدّم تفسير الرفث في آيات الصيام، وأنّه كناية عن الجماع. والفسوق: الخروج عن حدود الشرع بأي فعل محظور، وقيل إنّ المراد به الذبح للأصنام خاصّة، وخصّه بعضهم بالسباب، والتنابز بالألقاب.

السابقالتالي
2 3