الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

في هذه الآية الأمر بالإنفاق في سبيل الله، وهو الجهاد، واللفظ يتناول غيره مما يصدق عليه أنه من سبيل الله، والباء في قوله { بِأَيْدِيكُمْ } زائدة، والتقدير ولا تلقوا أيديكم، ومثلهأَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } العلق 14 وقال المبرد { بِأَيْدِيكُمْ } أي بأنفسكم تعبيراً بالبعض عن الكل، كقولهفبِمَا كَسَبَتْ * أَيْدِيكُم } الشورى 30 وقيل هذا مثل مضروب، يقال فلان ألقى بيده في أمر كذا إذا استسلم لأن المستسلم في القتال يلقى سلاحه بيديه، فكذلك فعل كل عاجز في أيّ فعل كان. وقال قوم التقدير ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم. والتهلكة مصدر من هلك يهلك هلاكاً وهلكاً وتهلكة، أي لا تأخذوا فيما يهلككم. وللسلف في معنى الآية أقوال سيأتي بيانها، وبيان سبب نزول الآية. والحق أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكل ما صدق عليه أنه تهلكة في الدين، أو الدنيا، فهو داخل في هذا، وبه قال ابن جرير الطبري. ومن جملة ما يدخل تحت الآية، أن يقتحم الرجل في الحرب، فيحمل على الجيش مع عدم قدرته على التخلص، وعدم تأثيره لأثر ينفع المجاهدين، ولا يمنع من دخول هذا تحت الآية إنكار من أنكره من الذين رأوا السبب، فإنهم ظنوا أن الآية لا تجاوز سببها، وهو ظنّ تدفعه لغة العرب. وقوله { وَأَحْسِنُواْ } أي في الإنفاق في الطاعة، أو أحسنوا الظن بالله في إخلافه عليكم. وقد أخرج عبد بن حميد، والبخاري، والبيهقي في سننه، عن حذيفة في قوله { وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } قال نزلت في النفقة. وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في الآية قال هو ترك النفقة في سبيل الله مخافة العيلة. وأخرج عبد بن حميد، والبيهقي، عن ابن عباس نحوه. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن عكرمة نحوه أيضاً. وأخرج ابن جرير، عن الحسن نحوه. وأخرج عبد بن حميد، والبيهقي في الشعب عنه قال هو البخل. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن زيد بن أسلم في الآية قال كان رجال يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير نفقة، فإما يقطع لهم، وإما كانوا عيالاً، فأمرهم الله أن يستنفقوا مما رزقهم الله، ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، والتهلكة أن تُهْلَك رجالٌ من الجوع، والعطش، ومن المشي. وقال لمن بيده فضل { وَأَحْسِنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }. وأخرج عبد بن حميد، وأبو يعلى، وابن جرير، والبغوي في معجمه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وابن مانع، والطبراني، عن الضحاك بن أبي جبير أن الأنصار كانوا ينفقون في سبيل الله، ويتصدّقون، فأصابتهم سنة، فساء ظنهم، وأمسكوا عن ذلك، فأنزل الله الآية.

السابقالتالي
2