الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ }

{ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمَـٰنِ } على معنى القول أيضاً، وهو كما قال شيخ الإسلام: حكاية لدعاء آخر مبني على تأملهم في الدليل السمعي بعد حكاية دعائهم السابق المبني على تفكرهم في الأدلة القطعية، ولا يخفى أن ذلك التفكر مستدع في الجملة لهذا القول، وفي تصدير مقدمة الدعاء بالنداء إشارة إلى كمال توجههم إلى مولاهم وعدم غفلتهم عنه مع إظهار كمال الضراعة والابتهال إلى معوّد الإحسان والإفضال، وفي التأكيد إيذان بصدور ذلك عنهم بوفور الرغبة ومزيد العناية وكمال النشاط، والمراد بالمنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو المروي عن ابن مسعود وابن عباس وابن جريج ـ واختاره الجبائي وغيره.

وقيل: المراد به القرآن، وهو المحكي عن محمد بن كعب القرظي وقتادة، واختاره الطبري معللاً ذلك بأنه ليس يسمع كل واحد النبـي صلى الله عليه وسلم ولا يراه، والقرآن ظاهر باق على ممر الأيام والدهور يسمعه من أدرك عصر نزوله ومن لم يدرك، ولأهل القول الأول أن يقولوا: من بلغه بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته جاز له أن يقول: { سَمِعْنَا مُنَادِياً } وإن كان فيه ضرب من التجوز، وأيضاً المراد بالنداء الدعاء ونسبته إليه صلى الله عليه وسلم أشهر وأظهر، فقد قال تعالى:ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبّكَ } [النحل: 125]أَدْعُوْٰ إِلَىٰ ٱللَّهِ } [يوسف: 108]وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ } [الأحزاب: 46] وهي إليه عليه الصلاة والسلام حقيقة، وإلى القرآن على حد قوله:
(تناديك أجداث وهنَّ صموت)   وسكانها تحت التراب سكوت
والتنوين في المنادى للتفخيم وإيثاره على الداعي للإشارة إلى كمال اعتنائه بشأن الدعوة وتبليغها إلى القريب والبعيد لما فيه من الإيذان برفع الصوت، وقد كان شأنه الرفيع صلى الله عليه وسلم في الخطب ذلك الرفع حقيقة، ففي الخبر " كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم " ولما كان النداء مخصوصاً بما يؤدي له ومنتهياً إليه تعدى باللام وإلى تارة، وتارة فاللام في { لِلإِيمَانِ } على ظاهرها ولا حاجة إلى جعلها بمعنى إلى أو الباء، ولا إلى جعلها بمعنى العلة ـ كما ذهب إليه البعض ـ وجملة { يُنَادِى } في موضع المفعول الثاني ـ لسمع ـ على ما ذهب إليه الأخفش وكثير من النحاة من تعدى ـ سمع ـ هذه إلى مفعولين ولا حذف في الكلام؛ وذهب الجمهور إلى أنها لا تتعدى إلا إلى واحد، واختاره ابن الحاجب قال / في «أماليه»: وقد يتوهم أن السماع متعد إلى مفعولين من جهة المعنى والاستعمال، أما المعنى فلتوقفه على مسموع، وأما الاستعمال فلقولهم سمعت زيداً يقول ذلك وسمعته قائلاً، وقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3