الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ }

خطاب لجنس الإنسان المنادى أولاً باعتبار شموله لأفراده والمراد بالركوب الملاقاة والطبق في الأصل ما طابق غيره مطلقاً وخص في العرف بالحال المطابقة لغيرها ومنه قول الأقرع بن حابس:
إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره   وساقني طبق منه إلى طبق
و(عن) للمجاوزة وقال غير واحد هي بمعنى بعد كما في قولهم سادوك كابراً عن كابر وقوله:
ما زلت أقطع منهلاً عن منهل   حتى أنخت بباب عبد الواحد
والمجاوزة والبعدية متقاربان والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة لطبقاً أو حالاً من فاعل (تركبن) والظاهر أن نصب { طَبَقاً } على أنه مفعول به أي لتلاقن حالاً مجاوزة لحال أو كائنة بعد حال أو مجاوزين لحال أو كائنين بعد حال كل واحدة مطابقة لأختها في الشدة والهول. وجوز كون الركوب على حقيقته وتجعل الحال مركوبة مجازاً وقيل نصب { طَبَقاً } على التشبيه بالظرف أو الحالية.

وقال جمع الطبق جمع طبقة كتخم وتخمة وهي المرتبة ويقال إنه اسم جنس جمعي واحده ذلك والمعنى لتركبن أحوالاً بعد أحوال هي طبقات في الشدة بعضها أرفع من بعض وهي الموت وما بعده من مواطن القيامة وأهوالها، ورجحه الطيبـي فقال هذا الذي يقتضيه النظم وترتب الفاء فيفَلاَ أُقْسِمُ } [الانشقاق: 16] على قوله تعالى:بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً } [الانشقاق: 15] وفسر بعضهم الأحوال بما يكون في الدنيا من كونهم نطفة إلى الموت وما يكون في الآخرة من البعث إلى حين المستقر في إحدى الدارين. وقيل يمكن أن يراد بطبقاً عن طبق الموت المطابق للعدم الأصلي والإحياء المطابق للإحياء السابق فيكون الكلام قسماً على البعث بعد الموت ويجري فيه ما ذكره الطيبـي. وأخرج نعيم بن حماد وأبو نعيم عن مكحول أنه قال في الآية تكونون في كل عشرين سنة على حال لم تكونوا على مثلها وفي رواية ابن المنذر وابن أبـي حاتم عنه في كل عشرين عاماً تحدثون أمراً لم تكونوا عليه فالطبق بمعنى عشرين عاماً وقد عد ذلك في «القاموس» من جملة معانيه وما ذكر بيان للمعنى المراد. وقيل الطبق هنا القرن من الناس مثله في قول العباس بن عبد المطلب يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وأنت لما ولدت أشرقت الأر   ض وضاءت بنورك الأفق
تنقل من صَالَب إلى رحم   إذا مضى عالم بدا طبق
وأن المعنى لتركبن سنن من مضى قبلكم قرناً بعد قرن وكلا القولين خلاف الظاهر.

وقرأ عمر وابن مسعود وابن عباس ومجاهد والأسود وابن جبير ومسروق والشعبـي وأبو العالية وابن وثاب وطلحة وعيسى والأخوان وابن كثير { لتركبن } بتاء الخطاب وفتح الباء وروى عن ابن عباس وابن مسعود أنهما أيضاً كسرا تاء المضارعة وهي لغة بني تميم على أنه خطاب للإنسان أيضاً لكن باعتبار اللفظ لا باعتبار الشمول.

السابقالتالي
2