الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } * { صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ }

يعني أنّ هذه المعارف المسطورة في هذه السورة والمشار إليها في طيّ هذه الآية الكريمة الإلهيّة، واردة من الله في الصحف الأولى للأنبياء، فائضة على صفحات ضمائر الأولياء، لأنّ سعادة الإنسان وكرامة نفسه لا تحصل إلاّ بالاشتغال بهذه المطالب، وخلاصه عن شقاوة الجهل منوط بالإعراض عن الدنيا وساير الرغائب.

وروى صاحب الكشّاف مرفوعاً " عن أبي ذر - رضي الله عنه -: أنّه سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " كمْ أنزل الله من كتاب "؟

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): مائة وأربعة كتب. منها على آدم عشر صحف، وعلى شيث خمسون صحيفة، وعلى أخنوخ - وهو إدريس - ثلاثون صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف، والتوارة، والزبور، والإنجيل، والفرقان ".

وجميعها مشتركة في طريق واحد ومسلك جامع، هو العلم بالله وأسمائه وأفعاله وكتبه ورسله واليوم الآخر، مع الخلوص عن غشاوة الدنيا بإصلاح الجزء العلمي من النفس، وهذه سبيل الموحّدين جميعا من الأنبياء والأولياء والعرفاء.

وقال الله تعالى:وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } [الأنبياء:25].

وقال تعالى:قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي } [يوسف:108].

وسلّم هذه المعارف هو علم حقيقة النفس، وكيفيّة استكمالاتها وتطوراتها من لدن حدوثها وكونها عقلا هيولانيّا، إلى غاية تمامها وكمالها عقلا فعّالا متّصلا بعالم القدس والحضرة الإلهيّة، والغرض الأصلي من بعثة جميع الأنبياء والمرسلين يرجع ألى أمرين: التجرّد عن العلائق، والاستكمال بالحقائق.

قال بعض العرفاء: وكما أنّ الاسم الإلهي جامع لجميع الأسماء مشتمل عليها مع أحديّته، كذلك طريق عرفانه ودعوته، جامع طرق جميع الأسماء كلّها ودعوتها، وإن كان كلّ من تلك الطرق مختصّا بالاسم الذي يريد صاحبه ومظهره، ويعبده للظهور من ذلك الوجه، ويسلك سبيله المستقيم الخاصّ بذلك الاسم.

وليس الجامع لها إلاّ ما سلك عليها المظهر المحمّدي (ص) والنشأة الجامعة الأحمديّة - صلوات الله وسلامه عليه وآله وأتباعه إلى يوم القيامة - وهو طريق التوحيد الذي عليه جميع الأنبياء والأولياء، ومنها تتفرّق الطرق وتتشعّب.

روي أنّ رسول الله (ص) لمّا أراد أن يبيّن ذلك للناس، خطَّ خطّاً مستقيما، ثمّ خطَّ عن جانبيه خطوطاً خارجة من ذلك الخطّ، وجعل الأصل، الصراط المستقيم الجامع، والخطوط الخارجة منها سُبل الشيطان. كما قال:وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [الأنعام:153].

واعلم أنّ الحقائق والمعارف التي بها يستكمل الإنسان، ليس عند جمهور الناس شيء منها إلاّ الخيالات والأشباح، ولذلك لا يحصل لهم منها بعد تقليدهم من الأنبياء واعترافهم بها تسليماً وانقياداً إلاّ شبح الكمال ومثاله، دون حقيقته، لأنّها علوم وأسرار لطيفة لا تنكشف لأحد إلاّ بعد تلطّف نفسه، وتنّور روحه، وتقدّس جوهره، وصفاء ذهنه، إمّا بحسب الفطرة كما للأنبياء والأولياء، أو بحسب الرياضة كما للحكماء والعلماء.

السابقالتالي
2 3