الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ }

{ وجاءت سكرة الموت بالحق } السكرة استعارة لشدة الموت وغمرته الذاهبة بالعقل انما لم يجعل الموت استعارة بالكناية ثم اثبات السكرة له تخييلا لان المقام أدعى للاستعارة التحقيقية وعبر عن وقوعها بالماضى ايذانا تحققهما وغاية اقترابها حتى كأنها قد أتت وحضرت كما قيل قد أتاكم الجيش اى قرب انيابه والباء اما للتعدية كما فى قولك جاء الرسول بالخبر والمعنى حضرت سكرة الموت اى شدته التى تجعل الانسان كالسكران بحيث تغشاه وتغلب على عقله حقيقة الامر الذى نطق به كتاب الله ورسله او حقيقة الامر وجلية الحال من سعادة الميت وشقاوته واما للملابسة كالتى فى قوله تعالىتنبت بالدهن } اى ملتبسة بالحق اى بحقية الامر او بالحكمة والغاية الجميلة وقال بعضهم أتت وحضرت بأمر الله الذى هو حق وحكى ان رجلا أتى عمر رضى الله عنه فقال انى احب الفتنة واكره الحق واشهد بما لم أره فحبسه عمر رضى الله عنه فبلغت قصته عليا رضى الله عنه فقال ياعمر حبسته ظلما فقال كيف ذلك قال لانه يحب المال والولد قال تعالىانما امولكم واولادكم فتنة } ويكره الموت وهو الحق قال تعالىوجاءت سركة الموت بالحق } ويشهد بأن الله واحد لم يره فقال عمر لولا على لهلك عمر { ذلك } اى يقال للميت بلسان الحال وان لم يكن بلسان القال او تقول ملائكة ذلك الموت ياانسان { ما } موصولة اى الامر الذى { كنت } فى الدنيا { منه } متعلق بقوله { تحيد } من حاد عنه يحيد حيدا اذا مال عنه اى تميل وتهرب منه وبالفارسية مى كريختى ومى ترسيدى واورا مكروه ميداشتى. بل تحسب انه لاينزل عليك بسبب محبتك الحياة الدنيا كما فى قولهاولم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال } اى أقسمتم بألسنتكم بطرا واشرا وجهلا وسفها او بألسنة الحال حيث بنيتم مشيدا واملتم بعيدا ولم تحدثوا انفسكم بالانتقال منها الى هذه الحالة فكأنكم ظننتم انكم مالكم من زوال مما أنتم عليه من التمتع بالحظوظ الدنيوية فالخطاب فى الآية للانسان المتقدم على طريق الالتفات فان النفرة عن الموت شاملة لكل فرد من افراده طبعا ويعضده ماروى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت اخذت ابا بكر غشية من الموت فبكيت عليه فقلت
من لايزال دمعه مقنعا لابد يوما انه مهراق   
فأ فاق ابو بكر رضى الله عنه فقال بل جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد وماروى انها قالت ان من نعم الله على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى فى بيتى وبين سحرى ونحرى وان الله جمع بين ريقى وريقه عند موته ودخل عبدالرحم بن ابى بكر رضى الله عنه على وبيده سواك وانا مسندة رسول الله فرأيته ينظر اليه وعرفت انه يحب السواك فقلت آخذه لك فأشار برأسه أن نعم فتناوله فاشتد عليه فقلت ألينه لك فأشار برأسه أن نعم فلينته فأمره وبين يديه ركوة فيها ماء فجعل يدخل يده فى الماء فيمسح بها وجهه ويقول

السابقالتالي
2 3 4