الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ يسْألونَكَ عنِ السَّاعةِ } أى وقت موت الخليقة كلها، وهو اسم مغلب على ذلك الوقت، وسمى ساعة لوقوعه بغتة، والعرب تمثل فى لأمر السريع بالساعة، أو لسرعة حسابه فينقضى فى ساعة، أو لأنه على طوله كساعة عند الله، أو للتضاد بأنه طويل سمى باسم القصير، كما قد يسمى السماء أرضا، والطويل قصيرا، وما ذكرته من سرعة الحساب والطول إنما هو بالنظر إلى ما بعد الموت من البعث، والساعة تطلق على وقت موت الخليقة، وعلى وقت البعث، وعلى وقت الموت إلى ما لا ينتهى، وقيل إلى دخول أهل الجنة و النار إياهما، وكذلك يوم القيامة إطلاقا أو خلافا. { أيَّانَ } نونه أصل لا زائد، وقرأ أو أبو عبد الرحمن السلمى بكسر الهمزة أى متى { مُرْسَاها } أى إرساءها، أو زمان إرسائها، كما تقول متى يوم الجمعة، والإرساء إثبات الجسم الثقيل، والرسوُّ ثبوته، واستعمل الإرساء فى الساعة تشبيها لها بالجسم الثقيل، ولا اشتقاق ولا أخذ لأيَّان، ولا لأى من شئ، وقال ابن جنى أيَّان مشتق من أى، وأى مشتق من أوى إليه أى انضم، وأراد بالاشتقاق الاشتقاق الكبير أو الأخذ وإلا فالاشتقاق فى غير المتصرف يأباه الأكثرون، نعم أى متصرف وقد اختلف هل الاشتقاق من الفعل أو المصدر؟ وعليه فالنون زائد، ولم يقل مشتق من أين، لأن أين للمكان، وقيل أصل أيَّان أى آن، ومرساها مبتدأ أو أيَّان متعلق بمحذوف خبر، وقال المبرد مرساها فاعل لمحذوف أى يجئ أو يحضر وأيَّان متعلق بالمحذوف. روى عن ابن عباس أن جبل بن أبى قشير، وسمويل بن زيد اليهوديين قالا إن كنت نبيا فأخبرنا متى الساعة فإنا نعلم متى هى، فإن صدقت آمنا بك؟ فنزلت الآية كلها فى ذلك، وكذبهم فى ادعاء علمها بقوله { قُلْ إنَّما عِلْمُها عِنْدَ ربِّى } لا يعلم وقتها ملك مقرب، ولا نبى مرسل، وهو جواب مفصح عن رسالته صلى الله عليه وسلم، لأنها كانت مبهمة أيضا فى كتابهم، لا يعلم أحد وقتها، وحكمة إخفائها أن يكون المكلف على شفقة منها، فيستعد لها، وضربت لها علامات تدل على قربها، فيشتد استعداد من حضر تلك العلامات من الموفقين، ومن علاماتها أن تلد الأمة ربَّتها، أى يكثر التسرى، فإن بنت الأمة المتسراة سيدة لها، مالكة لها بموت أبيها فتعتق عنها، أو يكثر حتى إنها لتلد بنتا ستملكها إذا افترقتا، بأن لا تعلم أنها أمها أو غير ذلك، وقال قتادة بن دعامة سألته قريش وقالوا إنا قرابتك فأخبرنا عنها وهو قول الحسن { لا يُجلِّيها } لا يظهرها بإحضارها { لوقْتِها } هى لام التوقيت، واختار بعض أن يكون المعنى عند وقتها أو فى وقتها، ونقول لا يخرج ذلك عن معنى لام التوقيت، وعلى كل فليس فى الآية ظرفية الشئ لنفسه، بأن نعتبر أن المراد لا يجلى أمرها، أو نعتبر عموم وقتها وسعته حتى يكون ذلك من ظرفية الجزء فى الكل، فالساعة وقت موت الناس، والوقت هو هذا الوقت وما بعده.

السابقالتالي
2 3