الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ } الآية.

في كيفية النَّظْمِ وجهان:

الأول: لمَّا تكلم في التَّوحيد، والنُّبَّوةِ، والقضاء، والقدر أتبعه بالكلام في المعاد لما تقدَّم من أن المطالب الكلية في القرآن ليست إلاَّ هذه الأربعة.

الثاني: لمَّا قال في الآية المتقدمة:وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ } [الأعراف: 185] باعثاً بذلك عن المبادرة إلى التَّوبة قال بعده: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ } ليتحقَّقَ في القلوب أنَّ وقت الساعة مكتوم عن الخلق ليصير المكلف مسارعاً إلى التوبة وأداء الواجبات.

فصل

قال ابنُ عباس: إنَّ قوماً من اليهود قالوا: يا محمد أخبرنا متى تقوم الساعة فنزلت هذه الآية.

وقال الحسن وقتادة: إن قريشاً قالوا يا محمد: بيننا وبينك قرابة فاذكر لنا متى الساعة؟

قال الزمخشريُّ: السَّاعة من الأسماءِ الغالبة كالنجم للثريَّا، وسُمِّيت القيامة بالسَّاعة لوقوعها بغتة؛ ولأنَّ حساب الخَلْقِ يقضى فيها في ساعة واحدة، فلهذا سُمِّيت بالسَّاعة أو لأنها على طُولها كساعةٍ واحدةٍ على الخَلْقِ.

قوله: { أَيَّانَ مُرْسَاهَا } فيه وجهان: أحدهما: أنَّ أيَّانَ خبر مقدم، ومُرْسَاهَا مبتدأ مؤخر، والثاني: أن أيَّان منصوب على الظَّرْفِ بفعل مضمر، ذلك الفعل رافع لـ " مُرْسَاهَا " بالفاعليَّةِ، وهو مذهب أبي العباس، وهذه الجملة في محلِّ نصب بدل من السَّاعة بدل اشتمال، وحينئذٍ كان ينبغي أن لا تكون في محل جرٍّ؛ لأنها بدل [من] مجرور وقد صرَّح بذلك أبُو البقاءِ فقال: والجملةُ في موضع جرٍّ بدلاً من السَّاعة تقديره: يسألونك عن زمان حلول الساعة. إلاَّ أنَّهُ مَنَعَ من كونها مجرورة المحل أنَّ البدل في نيَّة تكرار العامل،والعامل هو يَسْألُونَكَ والسُّؤالُ تعلق بالاستفهام وهو مُتَعَدٍّ بـ " عَنْ " فتكون الجملة الاستفهامية في محلِّ نصبٍ بعد إسقاط الخافض، كأنَّهُ قيل: يَسْألُونَكَ أيَّان مُرْسَى السَّاعةِ، فهو في الحقيقة بدلٌ من موضع عن السَّاعةِ لأن موضع المجرور نصب، ونظيرهُ في البدل على أحسن الوجوهِ فيه: عَرَفْتُ زيداً أبُو مَنْ هُو.

و " أيَّانَ " ظرفُ زمانٍ مبني لتضمُّنه معنى الاستفهام، ولا يتصرَّفُ، ويليه المبتدأ والفعل المضارع دون الماضي، بخلاف " متى " فإنَّها يليها النَّوعان، وأكثرُ ما يكون [أيَّان] استفهاماً، كقول الشاعر: [الرجز]
2641 - إيَّانَ تَقْضِيَ حَاجَتِي أيَّانَا   أمَا تَرَى لِفعْلِهَا أبَّانَا
وقد تأتي شرطيةً جازمة لفعلين.

قال الشاعرُ: [البسيط]
2642 - أيَّانَ نُؤمِنْكَ تأمَنْ غَيْرنَا وإذَا   لَمْ تُدْرِك الأمْنَ مِنَّا لَمْ تَزَلْ حَذِراً
وقال آخر: [الطويل]
2643 - إذَا النَّعْجَةُ الأذْنَاءُ كَانَتْ بِقَفْرَةٍ   فأيَّان ما تَعْدِلْ بها الرِّيحُ تَنْزِلِ
والفَصِيحُ فتح همزتها، وهي قراءة العامَّة.

وقرأ السُّلمي بِكسْرِهَا، وهي لغة سُلَيْم.

فصل

واختلف النحويون في أيَّانَ هل هي بسيطة أم مركبة؟ فذهب بعضهم إلى أنَّ أصلها أي أوانٍ فحذفت الهمزة على غير قياس، ولم يُعَوَّضْ منها شيءٌ، وقُلبت الواوُ ياءً على غير قياسٍ؛ فاجتمع ثلاثُ ياءات فاستُثْقِلَ ذلك فحُذفت إحداهن وبُنيت الكلمةُ على الفتحِ فصارت أيَّانَ.

السابقالتالي
2 3 4 5