الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

النزول:

روي عن الحسن: أنّ سائلا سأل النبي (صلى الله عليه وسلم) أقريب رّبنا فتناجيه أم بعيد فتناديه، فنزلت الآية. قال قتادة: نزلت جواباً لقوم سألوا النبي (صلى الله عليه وسلم) كيف تدعو.

المعنى:

وقوله تعالى: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب } معناه: إن اقتضت المصلحة إجابته، وحسن ذلك، ولم تكن فيه مفسدة. فأما أن يكون قطعاً لكل من يسأل فلابد أن يجيبه. فلا. على أن الداعي لا يحسن منه السؤال إلا بشرط ألاّ يكون في إجابته مفسدة، لا له، ولا لغيره، وإلاّ كان الدعاء قبيحاً. ولا يجوز أن يقيد الاجابة بالمشيئة بأن يقول: إن شئت، لأنه يصير الوعد به لا فائدة فيه، فمن أجاز ذلك فقد أخطأ. فان قيل: إذا كان لا يجيب كل من دعا، فما معنى الآية؟ قلنا معناه أن من دعا - على شرائط الحكمة التي قدمناها، واقتضت المصلحة إجابته - أجيب لا محالة، بان يقول: اللهم إفعل بي كذا إن لم يكن فيه مفسدة لي أو لغيري في الدين أو دنيوي. هذا في دعائه.

وفي الناس من قال: إن الله وعد باجابة الدعاء عند مسألة المؤمنين دون الكفار، والفاسقين. والمعتمد هو الاول. فان قيل: إذا كان ما تقتضيه الحكمة لا بد أن يفعل به، فلا معنى للدعاء! قلنا عنه جوابان:

أحدهما - أن ذلك عبادة كسائر العبادات. ومثله قوله: { ربّ احكم بالحق }.

والثاني - انه لايمتنع أن تقتضي المصلحة إجابته اذا دعا. ومتى لم يدع لم تقتض الحكمة إجابته.

فان قيل: هل يجوز أن تكون الاجابة غير ثواب؟ قلنا فيه خلاف. قال أبوعلي لا يكون إلا ثواباً، لأن من أجابه الله، يستحق المدح في دين المسلمين، فلا يجوز أن يجيب كافراً، ولا فاسقاً. وكان أبو بكر بن الأخشاد يخبر ذلك في العقل على وجه الاستصلاح له. وهذا الوجه أقرب الى الصواب.

والدعاء: طلب الطالب للفعل من غيره. ويكون الدعاء لله على وجهين:

أحدهما - طلب في مخرج اللفظ، والمعنى على التعظيم والمدح، والتوحيد: كقولك: يا الله لا إله إلا أنت، وقولك: ربّنا لك الحمد.

الثانى - الطلب لأجل الغفران أو عاجل الانعام كقولك: أللهم اغفر لي وارحمني، وارزقني، وما أشبه ذلك.

وقوله: { فإني قريب } قيل في معناه قولان:

أحدهما - إني قريب الاجابة: سريع الاجابة، فجاز ذلك لمشاكلة معنى قريب لسريع.

الثاني - قريب -، لأنه يسمع دعاءهم كما يسمعه القريب المسافة منهم، فجاز لفظة قريب، فحسن البيان بها. فأما قريب المسافة، فلا يجوز عليه تعالى، لانه من صفات المحدثات.

اللغة:

وقوله { أجيب دعوة الداعي إذا دعان } فالاجابة من الجواب، وهو القطع.

السابقالتالي
2