الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

القراءة: قرأ أبو بكر عن عاصم ولتكمّلوا بالتشديد والباقون لتكملوا بالتخفيف وقرأ أبو جعفر العُسُر واليُسُر بالتثقيل فيهما والباقون بالتخفيف. الحجة: حجة من قرأ ولتكملوا قولـه:اليوم أكملت لكم دينكم } [المائدة: 3] ومن قرأ ولتكمِّلوا فلأن فعل وأفعل كثيراً ما يستعمل أحدهما موضع الآخر قال النابغة.
فَكمَّلَتْ مائةً مِنْها حَمامَتها   وَأَسرعتْ حِسْبة في ذلك العددِ
اللغة: الشهر معروف وجمعه في القلة أشهر وفي الكثرة شهور وأصلـه من اشتهاره بالـهلال يقال شَهَرتُ الحديثَ: أظهرته وشَهَرت السيف: انتضيته وأتان شهيرة: عريضة ضخمة، وأصل الباب الظهور، وأصل رمضان من الرمض، وهو شدة وقع الشمس على الرمل وغيره وإنما سَمّوه رمضان لأنهم سَمّوا الشهور بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق رمضان أيام رمض الحر وقد جمعوا رمضان على رمضانات وقيل إن رمضان اسم من أسماء الله فروي عن مجاهد: " لا تقل رمضان ولكن قل شهر رمضان فإنك لا تدري ما رمضان ". وقد جاء في الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر لـه ما تقدم من ذنبه " وقيل إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها والقرآن أصلـه الجمع لقولـهم ما قرأت الناقة سلأُ قط أي ما جمعت رحمها على سلا. ومنه القراءة والقارئ لأنه يجمع الحروف والفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل والإرادة أصلـها الواو لأنك تقول راودته على أن يفعل كذا مراودة ومنه راد يرود روداً فهو رائد وفي المثل: الرَّائد لا يكذب أهلـه. وأصل الباب الطلب والإرادة بمعنى الطلب للمراد لأنها كالسبب لـه واليسر ضد العسر واليسار الغنى والسعة واليسار اليد اليسرى واليسر الجماعة يجتمعون على الجزور في الميسر والجمع الإيسار وأصل الباب السهولة وأصل العسر الصلابة يقال عسر الشيء عسراً ورجل أعسر يعمل بشمالـه وأعسر الرجل إذا افتقر وضدّه اليسر ويقال كمل الشيء وأكملته وكملته أي تممته. الإعراب: شهر رمضان في ارتفاعه ثلاثة أوجه أحدها: أن يكون خبر مبتدأ محذوف يدل عليه قولـه: { أياماً } أي: هي شهر رمضان والثاني: أن يكون بدلاً من الصيام فكأنه قال كتب عليكم شهر رمضان والثالث أن يرتفع بالابتداء ويكون خبره الذي أنزل فيه القرآن وإن شئت جعلت الذي أنزل فيه القرآن صفة لـه وأضمرت الخبر حتى كأنه قال وفيما كتب عليكم شهر رمضان أي صيام شهر رمضان ولا ينصرف رمضان للتعريف وزيادة الألف والنون المضارعتين لألفي التأنيث. ويجوز في العربية شهر رمضان بالنصب من وجهين أحدهما: صوموا شهر رمضان والآخر: على البدل من قولـه أياماً فقولـه: { هدى } في موضع النصب على الحال أي: هادياً للناس وقولـه { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فالشهر ينتصب على أنه ظرف لا على أنه مفعول به لأنه لو كان مفعولاً به للزم الصيام المسافر كما يلزم المقيم من حيث إن المسافر يشهد الشهر شهادة المقيم فلما لم يلزم المسافر علمنا أن معناه فمن شهد منكم المصر في الشهر ولا يكون مفعولاً به كما لو قلت أحييت شهر رمضان يكون مفعولاً به فإن قلت كيف جاء ضميره متصلاً في قولـه فليصمه إذا لم يكن مفعولاً به قلنا لأن الاتساع وقع فيه بعد أن استعمل ظرفاً على ما تقدم بيان أمثالـه وإنما عطف الظرف على الاسم في قولـه: { ومن كان مريضاً أو على سفر } لأنه بمعنى الاسم فكأنه قال أو مسافراً كقولـه سبحانه:

السابقالتالي
2 3 4 5