الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ }

قوله: { فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ } ليس جواباً، بل الجوابُ محذوف، أي: فقل، ونحوه؛ لأن هذا قد مضَى وتحقَّق، والجملة من " جَاءُوا " في محل رفع، صفة لـِ " رُسُلٌ " و " مِنْ قَبْلِكَ " متعلق بـ " كُذِّبَ " والباء في " بِالبَيِّنَاتِ " تحتمل الوجهين، كنظيرتها.

ومعنى الآية: فإن كذبوك في قولك: إنَّ الأنبياء المتقدمين أتَوْا بالقُرْبان.

ويحتمل أن يكون المعنى: فإن كذبوك في أصل النبوة - وهو أولى - والمرادُ بالبيناتِ المعجزاتِ.

وقرأ الجمهورُ: " وَالزبر والكتاب " - من غير باء الجر - وقرأ ابنُ عامر " وَبِالزُّبُرِ " - بإعادتها - وهشام وحده عنه " وَبِالْكِتَابِ " - بإعادتها أيضاً - وهي في مصاحف الشاميين كقراءة ابنِ عامر، فَمَنْ لم يأتِ بها اكتفى بالعطفِ، ومن أتى بها كان ذلك تأكيداً.

والزُّبر: جمع زَبُور - بالفتح - ويقال: زُبور - بالضم أيضاً - وهل هما بمعنىً واحد أو مختلفان؟ سيأتي الكلام عليهما - إن شاء الله تعالى - في النساء في قوله:وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } [النساء: 163]. واشتقاقه من زَبَرْتُ: أي: كتبتُ وزَبَرْته: قرأتهُ، وَزَبرْته: حسَّنْت كتابتَه، وزَبَرْته: زَجَرته. فزبور - بالفتح - فَعُول بمعنى مفعول - كالركوب بمعنى: المركوب - والحلوب - بمعنى المحلوب - والمعنى: الكُتُب المزبورة، أي: المكتوبة، والزُّبُر: جمع زبور، وهو الكتاب.

قال امرؤ القيس: [الطويل]
1703- لمَنْ طَلَلٌ أبصَرْتُهُ فَشَجانِي   كَخَطِّ زَبُورٍ في عَسِيبِ يَمَانِي
وقيل: اشتقاق اللفظة من الزَّبْرَة، وهي قطعة الحديد المتروكة بحالها.

وقيل: الزبور من الزَّبْر - بمعنى: الزجر - تقول: زبرت الرجل: أي: نهرته. وزبرت البئر: أي: طويتها بالحجارة.

فإن قيل: لِمَ عطف " الْكِتَابِ المُنِيرِ " على " الزُّبُرِ " مع أن الكتاب المنير من الزُّبُر؟

فالجوابُ: لأن الكتاب المنير أشرف الكتب، وأحسن الزبر، فحسُن العطف، كقوله:وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } [الأحزاب: 7]. وقوله:وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } [البقرة: 98]. ووجه شرفه: كونه مشتملاً على جميع الشريعة، أو كونه باقياً على وَجْه الدَّهْر.

وقيل: المراد بـ " الزُّبُر " الصُّحُف، والمراد بـ " الْكِتَابِ الْمُنِيرِ " التوراة والإنجيل والزبور.

و " الْمُنِير " اسم فاعل من أنار، أي: أضاء، وهو الواضح. والمراد بهذه الآية - تسلية قلب الرسول - صلى الله عليه وسلم بما جرى على الأنبياء قبله.