الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ }

{ إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـٰجدَ ٱللَّهَ } اختلف في المراد بالمساجد هنا كما اختلف في المراد بها هناك، خلا أن من قال هناك بأن المراد المسجد الحرام لا غير جوز هنا إرادة جميع المساجد قائلاً: إنها غير مخالفة لمقتضى الحال فإن الإيجاب ليس كالسلب وادعى أن المقصود قصر تحقق العمارة على المؤمنين لا قصر لياقتها وجوازها وأنا أرى قصر اللياقة لائقاً بلا قصور، وقرىء بالتوحيد أي إنما يليق أن يعمرها { مَنْ آمَنَ باللهِ واليَوْمِ الآخِر } على الوجه الذي نطق به الوحي { وَأَقَامَ ٱلصَّلاَةَ وَآتَىٰ ٱلزَّكَاةَ } التي أتى بهما الرسول صلى الله عليه وسلم فيندرج في ذلك الإيمان به عليه الصلاة والسلام حتماً إذ لا يتلقى ذلك إلا منه صلى الله عليه وسلم. وجوز أن يكون ذكر الإيمان به عليه الصلاة والسلام قد طوي تحت ذكر الإيمان بالله تعالى دلالة على أنهما كشيء واحد إذا ذكر أحدهما فهم الآخر، على أنه أشير بذكر المبدأ والمعاد إلى ما يجب الإيمان به أجمع ومن جملته رسالته صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنما لم يذكر عليه الصلاة والسلام لأن المراد بمن هو صلى الله عليه وسلم وأصحابه أي المستحق لعمارة المساجد من هذه صفته كائناً من كان، وليس الكلام في إثبات نبوته عليه الصلاة والسلام والإيمان به بل فيه نفسه وعمارته المسجد واستحقاقه لها، فالآية على حد قوله سبحانه: { إِنّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } إلى قوله تعالى:فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ } [الأعراف: 158] والوجه الثاني أولى.

والمراد بالعمارة ما يعم مرمة ما استرم منها وقمها وتنظيفها وتزيينها بالفرش لا على وجه يشغل قلب المصلي عن الحضور، ولعل ما هو من جنس ما يخرج من الأرض كالقطن والحصر السامانية أولى من نحو الصوف إذ قيل: بكراهة الصلاة عليه، وتنويرها بالسرج ولو لم يكن هناك من يستضيء بها على ما نص عليه جمع، وإدامة العبادة والذكر ودراسة العلوم الشرعية فيها ونحو ذلك، وصيانتها مما لم تبن له في نظر الشارع كحديث الدنيا، ومن ذلك الغناء على مآذنها كما هو معتاد الناس اليوم لا سيما بالأبيات التي غالبها هجر من القول. وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام " الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش " وهذا الحديث في الحديث المباح فما ظنك بالمحرم مطلقاً أو المرفوع فوق المآذن. وأخرج الطبراني بسند صحيح عن سلمان رضي الله تعالى عنه عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: " من توضأ في بيته ثم أتى المسجد فهو زائر الله تعالى وحق على المزور أن يكرم الزائر "

السابقالتالي
2