الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً }

{ قَالُواْ } استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية السؤال كأنه قيل: فماذا قالوا في الجواب؟ فقيل قالوا: { سُبْحَـٰنَكَ } وكان الظاهر أن يعبر بالمضارع لمكانيِقُولُ } [الفرقان: 17] أولاً، وكأن / العدول إلى الماضي للدلالة على تحقق التنزيه والتبرئة وأنه حالهم في الدنيا، وقيل: للتنبيه على أن إجابتهم بهذا القول هو محل الاهتمام فإن بها التبكيت والإلزام فدل بالصيغة على تحقق وقوعها. وسبحان إما للتعجب مما قيل لهم إما لأنهم جمادات لا قدرة لها على شيء أو لأنهم ملائكة أو أنبياء معصومون أو أولياء عن مثل ذلك محفوظون وإمّا هو كناية عن كونهم موسومين بتسبيحه تعالى وتوحيده فكيف يتأتى منهم إضلال عباده وإمّا هو على ظاهره من التنزيه والمراد تنزيهه تعالى عن الأضداد، وهو على سائر الأوجه جواب إجمالي إلا أن في كونه كذلك على الأخير نوع خفاء بالنسبة إلى الأولين.

وقوله تعالى: { مَا كَانَ يَنبَغِى لَنَا } الخ كالتأكيد لذلك والتفصيل له. وجعل الطيبـي قولهم: { سُبْحَـٰنَكَ } توطئة وتمهيداً للجواب لقولهم: { مَا كَانَ } الخ أي ما صح وما استقام لنا { أَن نَتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء } أي أولياء على أن { مِنْ } مزيدة لتأكيد النفي. ويحسن زيادتها بعد النفي والمنفي وإن كان { كَانَ } لكن هذا معمول معمولها فينسحب النفي عليه. والمراد نفي أن يكونوا هم مضليهم على أبلغ وجه كأنهم قالوا: ما صح وما استقام لنا أن نتخذ متجاوزين إياك أولياء نعبدهم لما بنا من الحالة المنافية له فأنى يتصور أن نحمل غيرنا على أن يتخذ ولياً غيرك فضلاً أن يتخذنا ولياً، وجوز أن يكون المعنى ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أتباعاً فإن الولي كما يطلق على المتبوع يطلق على التابع ومنه أولياء الشيطان أي أتباعه.

وقرأ أبو عيسى الأسود القارىء { يَنبَغِى } بالبناء للمفعول. وقال ابن خالويه: زعم سيبويه أن ذلك لغة. وقرأ أبو الدرداء وزيد بن ثابت وأبو رجاء ونصر بن علقمة وزيد بن علي وأخوه الباقر رضي الله تعالى عنهما ومكحول والحسن وأبو جعفر وحفص بن عبيد والنخعي والسلمي وشيبة وأبو بشر والزعفراني { نتخذ } مبنياً للمفعول، وخرج ذلك الزمخشري على أنه من اتخذ المتعدي إلى مفعولين والمفعول الأول ضمير المتكلم القائم مقام الفاعل والثاني { مِنْ أَوْلِيَاء } و(من) تبعضية لا زائدة أي أن يتخذونا بعض الأولياء، ولم يجوز زيادتها بناءً على ما ذهب إليه الزجاج من أنها لا تزاد في المفعول الثاني، وعلله في «الكشف» بأنه محمول على الأول يشيع بشيوعه ويخص كذلك، ومراده أنه إذا كان محمولاً لإيراد صدقه على غيره فيشيع ويخص كذلك في الإرادة فلا يرد زيد حيوان فإن المحمول باق على عمومه مع خصوص الموضوع، وقيل: مراده أن الاختلاف لا يناسب مع إمكان الاتحاد والمثال ليس كذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5