الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }

{ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } الصمم: آفة مانعة من السماع، سمى به فقدان حاسة السمع، لما أن سببه اكتناز باطن الصِّماخ، وانسداد منافذه، بحيث لا يكاد يدخله هواء يحصل الصوت بتموجه. والبكم: الخرس. والعمى: عدم البصر عما من شأنه أن يُبصر.

وُصِفُوا بذلك - مع سلامة حواسهم المذكورة - لما أنهم سدوا عن الإصاخة إلى الحق مسامِعَهم، وأبوْا أن يُنطقوا به ألسِنَتَهُم، وأن ينظروا ويتبصروا بعيونهم، فجعلوا كأنما أصيب بآفةٍ مشاعرُهم - كقوله -:
صُمٌّ إذا سَمِعوا خيراً ذُكرتُ بِهِ   وإن ذُكِرتُ بِسوءٍ عندهم أَذِنُوا
وكقوله:
أَصمُّ عن الشي الذي لا أُريدُهُ   وَاسمَعُ خلقَ اللَّهِ حينَ أُريدُ
{ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } أي: بسبب اتصافهم بالصفات المذكورة - لا يعودون إلى الهدى - بعد أن باعوه. أو عن الضلالة - بعد أن اشتروها. فالآية الكريمة تَتمةٌ للتمثيل بأن ما أصابهم، ليس مجردَ انطفاء نارهم، وبقائهم في ظلمات كثيفة هائلة - مع بقاء حاسة البصر بحالها - بل اختلت مشاعرهم جميعاً - واتصفوا بتلك الصفات فبقوا جامدين في مكانهم لا يرجعون، ولا يدرون أيتقدمون أم يتأخرون؟ وكيف يرجعون إلى ما ابتدأوا منه.