الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

اعلم أن هذه الآية من بقية الكلام في قصة أحد، فأخبر تعالى أن الأحوال التي وقعت في تلك الحادثة من القتل والهزيمة، ثم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اياهم مع ما كان بهم من الجراحات الى الخروج لطلب العدو، ثم دعائه اياهم مرة أخرى الى بدر الصغرى لموعد أبي سفيان، فأخبر تعالى أن كل هذه الأحوال صار دليلا على امتياز المؤمن من المنافق، لان المنافقين خافوا ورجعوا وشمتوا بكثرة القتلى منكم، ثم ثبطوا وزهدوا المؤمنين عن العود الى الجهاد، فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يجوز في حكمته أن يذركم على ما أنتم عليه من اختلاط المنافقين بكم وإظهارهم أنهم منكم ومن أهل الايمان بل كان يجب في حكمته إلقاء هذه الحوادث والوقائع حتى يحصل هذا الامتياز، فهذا وجه النظم. وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي: { حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ } بالتشديد، وكذلك في الافعال والباقون { يَمِيزَ } بالتخفيف وفتح الياء الأولى وكسر الميم وسكون الياء الأخيرة، قال الواحدي رحمه الله: وهما لغتان يقال مزت الشيء بعضه من بعض فأنا أميزه ميزا او أميزه تمييزاً، ومنه الحديث " من ماز أذى عن طريق فهو له صدقة " وحجة من قرأ بالتخفيف وفتح الباء أن الميز يفيد فائدة التمييز وهو أخف في اللفظ فكان أولى، وحكى أبو زيد عن أبي عمرو أنه كان يقول: التشديد للكثرة، فاما واحد من واحد فيميز بالتخفيف، والله تعالى قال: { حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيّبِ } فذكر شيئين، وهذا كما قال بعضهم في الفرق والتفريق، وأيضا قال تعالى:وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ } [يۤس: 59] وهو مطاوع الميز، وحجة من قرأ بالتشديد: أن التشديد للتكثير والمبالغة، وفي المؤمنين والمنافقين كثرة، فلفظ التمييز ههنا أولى، ولفظ الطيب والخبيث وان كان مفردا إلا أنه للجنس، فالمراد بهما جميع المؤمنين والمنافقين لا اثنان منهما. المسألة الثانية: قد ذكرنا أن معنى الآية: ما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من اختلاط المؤمن بالمنافق واشباهه حتى يميز الخبيث من الطيب، أي المنافق من المؤمن. واختلفوا بأي شيء ميز بينهم وذكروا وجوها: أحدها: بالقاء المحن والمصائب والقتل والهزيمة، فمن كان مؤمنا ثبت على إيمانه وعلى تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن كان منافقا ظهر نفاقه وكفره. وثانيها: أن الله وعد بنصرة المؤمنين وإذلال الكافرين، فلما قوي الاسلام عظمت دولته وذل الكفر وأهله، وعند ذلك حصل هذا الامتياز. وثالثها: القرائن الدالة على ذلك، مثل ان المسلمين كانوا يفرحون بنصرة الاسلام وقوته، والمنافقين كانوا يغتمون بسبب ذلك. المسألة الثالثة: ههنا سؤال، وهو أن هذا التمييز إن ظهر وانكشف فقد ظهر كفر المنافقين، وظهور الكفر منهم ينفي كونهم منافقين، وان لم يظهر لم يحصل موعود الله.

السابقالتالي
2