الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ }

{ وَٱلْمَلَكُ } أي الجنس المتعارف بالملك وهو أعم من الملائكة عند الزمخشري وجماعة، وقد ذكره الجوهري أيضاً. وقال أبو حيان: الملك اسم جنس يراد به الملائكة ولا يظهر أنه أعم من الملائكة. وتحقيق هذا المقام بما لا مزيد عليه في «شرح التلخيص» للعلامة الثاني «وحواشيه» فارجع إن أردت إليه { عَلَىٰ أَرْجَائِهَا } أي جوانبها جمع رجى بالقصر وهو من ذوات الواو ولذا برزت في التثنية قال الشاعر:
كأن لم ترى قبلي أسيراً مقيداً   ولا رجلاً يرمي به الرجوان
والضمير للسماء، والمراد بجوانبها أطرافها التي لم تنشق. أخرج ابن المنذر عن ابن جبير والضحاك قال إنهما قالا { وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا } أي على ما لم ينشق منها ولعل ذلك التجاء منهم للأطراف مما داخلهم من ملاحظة عظمة الله عز وجل أو اجتماع هناك للنزول. وأخرج ابن المنذر وعبد بن حميد عن الربيع بن أنس قال { وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا } أي الملائكة على شقها ينظرون إلى شق الأرض وما أتاهم من الفزع. والأول أظهر.

ولعل هذا الانشقاق بعد موت الملائكة عند النفخة الأولى وإحيائهم، وهم يحيون قبل الناس كما تقتضيه الأخبار ويجوز أن يكون ذلك بعد النفخة الثانية والناس في المحشر ففي بعض الآثار ما يشعر بانشقاق كل سماء يومئذ ونزول ملائكتها واليوم متسع كما أشرنا إليه. وقال الإمام يحتمل أنهم يقفون على الأرجاء لحظة ثم يموتون ويحتمل أن يكون المراد بهم الذين استثناهم الله تعالى في قوله سبحانهإِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } [الزمر: 68] وعلى الوجهين ينحل ما يقال الملائكة يموتون في الصعقة الأولى لقوله تعالىفَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } [الزمر: 68] فكيف يقال إنهم يقفون على أرجاء السماء وفي «أنوار التنزيل» لعل قوله تعالى:وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ } [الحاقة: 16] الخ تمثيل لخراب العالم بخراب المبنيات وانضواء أهلها إلى أطرافها وإن كان على ظاهره فلعل موت الملائكة إثر ذلك انتهى وأنا لا أقول باحتمال التمثيل. وفي «البحر» عن ابن جبير والضحاك أن ضمير { أَرْجَائِهَا } للأرض وإن بعد ذكرها قالا إنهم ينزلون إليها يحفظون أطرافها كما روى أن الله تعالى يأمر ملائكة السماء الدنيا فيقفون صفاً على حافات الأرض ثم ملائكة الثانية فيصفون حولهم ثم ملائكة كل سماء فكلما ند أحد من الجن والإنس وجد الأرض أحيط بها ولعل ما نقلناه عنهما أولى بالاعتماد.

{ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ } أي فوق الملائكة الذين على الأرجاء المدلول عليهم بالملك، وقيل فوق العالم كلهم، وقيل الضمير يعود على الملائكة الحاملين أي يحمل عرش ربك فوق ظهورهم أو رؤسهم { يَوْمَئِذٍ ثَمَـٰنِيَةٌ } والمرجع وإن تأخر لفظاً لكنه متقدم رتبة.

السابقالتالي
2