الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ }

{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ } تدل على الحق والصواب فيما يأتيه ويذره، ويدخل في ذلك الإسلام دخولاً أولياً، واقتصر عليه بعضهم بناءً على أنه المناسب لما بعد، وأصل ـ البينة ـ كما قيل: الدلالة الواضحة عقلية كانت أو محسوسة، وتطلق على الدليل مطلقاً، وهاؤها للمبالغة، أو النقل، وهي وإن قيل: إنها من بان بمعنى تبين واتضح لكنه اعتبر فيها دلالة الغير والبيان له، وأخذها بعضهم من صيغة المبالغة، والتنوين فيها / هنا للتعظيم أي بينة عظيمة الشأن، والمراد بها القرآن وباعتبار ذلك أو البرهان ذكر الضمير الراجع إليها في قوله سبحانه: { وَيَتْلُوهُ } أي يتبعه { شَاهِدٌ } عظيم يشهد بكونه من عند الله تعالى شأنه وهو ـ كما قال الحسين بن الفضل ـ الإعجاز في نظمه، ومعنى كون ذلك تابعاً له أنه وصف له لا ينفك عنه حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها فلا يستطيع أحد من الخلق جيلاً بعد جيل معارضته ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً. وكذا الضمير في { مِنْهُ } وهو متعلق بمحذوف وقع صفة لشاهد، ومعنى كونه منه أنه غير خارج عنه. وجوز أن يكون هذا الضمير راجعاً إلى الرب سبحانه، ومعنى كونه منه تعالى أنه وارد من جهته سبحانه للشاهد، وعلى هذا يجوز أن يراد بالشاهد المعجزات الظاهرة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها من الشواهد التابعة للقرآن الواردة من قبله عز وجل، وأمر التبعية فيها ظاهر، والمراد بالموصول كل من اتصف بتلك الكينونة من المؤمنين. وعن أبـي العالية أنه النبـي عليه الصلاة والسلام ولا يخفى أن قوله سبحانه الآتي: { أُوْلَـٰئِكَ } الخ لا يلائمه إلا أن يحمل على التعظيم، وأيضاً إن السياق كما ستعلم إن شاء الله تعالى للفرق بين الفريقين المؤمنين ومن يريد الحياة الدنيا لا بينهم وبين النبـي صلى الله عليه وسلم، وفسر أبو مسلم وغيره البينة بالدليل العقلي، والشاهد بالقرآن وضمير { مِنْهُ } لله تعالى، و(من) ابتدائية، أو للقرآن فقد تقدم ذكره، و(من) حينئذٍ إما بيانية وإما تبعيضية بناءاً على أن القرآن ليس كله شاهداً وليس من التجريد على ما توهم الطيبـي، فيكون في الآية إشارة إلى الدليلين العقلي والسمعي، ومعنى كون الثاني تابعاً للأول على ما قيل: إنه موافق له لا يخالفه أصلاً، ومن هنا قالوا: إن النقل الصحيح لا يخالف العقل الصريح، ولذا أولوا الدليل السمعي إذا خالف ظاهره الدليل العقلي، ولعل في التعبير عن الأول بالبينة التي جاء إطلاقها في كلام الشارع على شاهدين، وعن الثاني بالشاهد الإيماء إلى أن الدليل العقلي أقوى دلالة من الدليل السمعي لأن دلالة الأول قطعية ودلالة الثاني ظنية غالباً للاحتمالات الشهيرة التي لا يمكن القطع معها، وقد يقال: إن التعبير عن الثاني بالشاهد لمكان التلو.

السابقالتالي
2 3 4 5