الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً }

{ فكيف تتقون } قال ابن الشيخ مرتب على الارسال فالعصيان وكان الظاهر أن يقدم على قوله كما أرسلنا الا انه أخر زيادة فى التهويل اذ علم من قوله فأخذناه انهم مأخوذون مثله واشد فاذا قيل بعده فكيف تتقون كان ذلك زيادة كأنه قيل هبوا انكم لا تؤخذون فى الدنيا اخذة فرعون وامثاله فكيف تتقون اى تقون أنفسكم فاتقى ههنا مأخوذ بمعنى وقى المتعدى الى مفعولين دل عليه قول الامام البيهقى رحمه الله فى تاج المصادر الاتقاء حذر كردن وخود رانكاه داشتن انتهى. وافتعل يجيئ بمعنى فعل نص عليه الزمخشرى فى المفصل وان كانت الامثلة لا تساعده فانه ليس وقى واتقى مثل جذب واجتذب وخطف واختطف فتأمل { ان كفرتم } اى بقيتم على الكفر { يوما } اى عذاب يوم فهو مفعول به لتتقون ويجوز أن يكون ظرفا اى فكيف لكم بالتقوى والتوحيد فى يوم القيامة ان كفرتم فى الدنيا اى لا سبيل اليه لفوات وقته فاتقى على حاله وكذا اذا انتصب بكفرتم على تأويل جحدتم اى فكيف تتقون الله وتخشون عقابه ان جحدتم يوم القيامة والجزآء { يجعل الولدان } من شدة هوله وفظاعة ما فيه من الدواهى وهو صفة ليوما نسب الجعل الى اليوم للمبالغة فى شدته والافنفس اليوم لا تأثير له البتة والولدان بالفارسية نوزادكان ازمادر. جمع وليد يقال لمن قرب عهده بالولادة وان كان فى الاصل يصح اطلاقه على من قرب عهده بها ومن بعد { شيبا } شيوخا يعنى بيركندوموى سر ايشان سفيد سازد. جمع اشيب والشيب بياض الشعر وأصله ان يكون بضم الشين كحمر فجمع احمر لان الضم يقتضى الواو فكسرت لاجل صيانة الياء فرقا بين مثل سود وبين مثل بيض وجعلهم شيوخا فيه وجوه. الاول انه محمول على الحقيقة كما ذهب اليه بعض اهل التفسير ويؤيده ما قال فى الكشاف وقد مر بى فى بعض الكتب ان رجلا امسى فاحم الشعر كحلك الغراب اى سواده واصبح وهو أبيض الرأس واللحية كالثغامة بياضا وهو بفتح الثاء المثلثة وبالغين المعجة نبت ابيض قال أريت القيامة والجنة والنار ورأيت الناس يقادون فى السلاسل الى النار فمن هول ذلك اصبحت كما ترون وقال احمد الدورقى مات رجل من جيراننا شابا فرأيته فى الليل وقد شاب فقلت وما قصتك قال دفن بشر فى مقبرتنا فزفرت جهنم زفرة شاب منها كل من فى المقبرة كما فى فصل الخطاب وبشر المريسى ومريس قرية بمصر اخذ الفقه عن أبى يوسف القاضى الا انه اشتغل بالكلام وقال بخلق القرءآن واضل خلقا كثيرا ببغداد فان قلت ايصال الألم والضرر الى الصبيان يوم القيامةغير جائز بل هم لكونهم غير مكلفين معصومون محفوظون عن كل خطر قلت قد يكون فى القيامة من هيبة المقام ما يجثو به الانبياءعليهم السلام على الركب فما ظنك بغيرهم من الاولياء والشيوخ والشبان والصبيان وفى الآية مبالغة وهى انه اذا كان ذلك اليوم يجعل الولدان شيبا وهم ابعد الناس من الشيخوخة لقرب عهد ولادتهم فغيرهم اولى بذلك وكذا فى القصة السابقة فان من شاب بمجرد الرؤيا فكيف حاله فى اليقظة وهو معاين من الاهوال ما يذوب تحته الجبال الرواسى.

السابقالتالي
2 3