الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

{ يـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِى ٱلأَرْضِ حَلَـٰلاً } نزلت في المشركين الذين حرموا على أنفسهم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ـ كما ذكره ابن جرير وابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ وقيل: في عبد الله بن سلام وأضرابه حيث حرموا على أنفسهم لحم الإبل لما كان حراماً في دين اليهود، وقيل: في قوم من ثقيف وبني عامر بن صعصعة وخزاعة وبني مدلج حيث حرموا التمر والأقط على أنفسهم، و { حَلَـٰلاً } إما مفعول { كُلُواْ } أو حال من الموصول ـ أي كلوه حال كونه حلالاً ـ أو صفة لمصدر مؤكد أي أكلاً حلالاً، و (من) على التقديرين الأخيرين للتبعيض ليكون مفعولاً به ـ لكلوا ـ وعلى التقدير الأول يجوز أن تكون ابتدائية متعلقة ـ بكلوا ـ أو حالاً من { حَلَـٰلاً } وقدم عليه لتنكيره، وأن تكون ابتدائية بل هي متعينة كما في «الكشف» على مذهب من جعل الأصل في الأشياء الإباحة، وأن تكون تبعيضية بناءاً على ما ارتضاه الرضي من أن التبعيضية في الأصل ابتدائية إلا أنه يكون هناك شيء ظاهر أو مقدر هو بعض المجرور ـ بمن ـ ولا يلزم صحة إقامة لفظ البعض مقامها، والعلامة التفتازاني منع كونها تبعيضية على هذا التقدير لأنها في موقع المفعول به حينئذٍ، والفعل لا ينصب مفعولين، وهو مبني ـ على ما في «التسهيل» وغيره ـ أن التبعيض معنى حقيقي ـ لمن ـ وعلامته صحة إقامة لفظ البعض مقامها، والأمر للوجوب فيما إذا كان الأكل لقوام البنية وللندب كما إذا كان لمؤانسة الضيف وللإباحة فيما عدا ذلك ومناسبة الآية لما قبلها: أنه سبحانه لما بين التوحيد ودلائله وما للتائبين والعاصين أتبع ذلك بذكر إنعامه وشمول رحمته ليدل على أن الكفر لا يؤثر في قطع الإنعام.

وقوله تعالى: { طَيّباً } صفة { حَلَـٰلاً } ومعناه كما قال الإمام مالك ما يجده فم الشرع لذيذاً لا يعافه ولا يكرهه، أو تراه عينه طاهراً عن دنس الشبهة، وفائدة وصف الحلال به تعميم الحكم كما في قوله تعالى:وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى ٱلأَرْضِ } [الأنعام: 38] ليحصل الرد على من حرم بعض الحلالات، فإن النكرة الموصوفة بصفة عامة تعم بخلاف غير الموصوفة، وقال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه: المراد به ما تستطيبه الشهوة المستقيمة الناشئة من المزاج الصحيح، ورد بأن ما لا تستطيبه إما حلال لا شبهة فيه فلا منع وإلا خرج بقيد الحلال، وأجيب بأن المراد بالحلال ما نص الشارع على حله ـ وبهذا ما لم يرد فيه نص ـ ولكنه مما يستلذ ويشتهيه الطبع المستقيم، ولم يكن في الشرع ما يدل على حرمته كإسكار وضررٍ، والأولى نظراً للمقام أن يقال إن التقييد ليس للاحتراز عما تستطيبه الشهوة الفاسدة بل لكونه معتبراً في مفهومه إذ لا يقال الطيب واللذيذ إلا على ما تستلذه الشهوة المستقيمة وتكون فائدة التوصيف حينئذٍ التنصيص على إباحة ما حرموه، والقول بأن في الآية على هذا التفسير إشارة إلى النهي عن الأكل على امتلاء المعدة والشهوة الكاذبة لأن ذلك لا يستطيب، لا يستطيب لأن الطعام اللذيذ المأكول كذلك مما تستطيبه الشهوة إلا أنه ليس مأكولاً بالشهوة المستقيمة، وبين المعنيين بعد بعيد كما قاله بعض المحققين ـ واستدل بعضهم بالآية/ على أن من حرم طعاماً مثلاً فهو لاغ ولا يحرم عليه، وفيه خفاء لا يخفى.

السابقالتالي
2