الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَـٰئِفَ ٱلأَرْضِ } أي يخلف بعضكم بعضاً كلما مضى قرن جاء قرن حتى تقوم الساعة ولا يكون ذلك إلا من عالم مدبر، وإلى هذا ذهب الحسن، أو جعلكم خلفاء الله تعالى في أرضه تتصرفون / فيها ـ كما قيل ـ والخطاب عليهما عام، وقيل: الخطاب لهذه الأمة، وروي ذلك عن السدي أي جعلكم خلفاء الأمم السالفة { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ } في الفضل والغنى كما روي عن مقاتل { دَرَجَـٰتٍ } كثيرة متفاوتة { لّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَـٰكُمُ } أي ليعاملكم معاملة من يبتليكم لينظر ماذا تعملون مما يرضيه وما لا يرضيه.

{ إِنَّ رَبَّكَ } تجريد الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع إضافة اسم الرب إليه عليه الصلاة والسلام لإبراز مزيد اللطف به صلى الله عليه وسلم { سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } أي عقابه سبحانه الأخروي سريع الإتيان لمن لم يراع حقوق ما آتاه لأن كل آت قريب أو سريع التمام عند إرادته لتعاليه سبحانه عن استعمال المبادىء والآلات. وجوز أن يراد بالعقاب عقاب الدنيا كالذي يعقب التقصير من البعد عن الفطرة وقساوة القلب وغشاوة الأبصار وصم الأسماع ونحو ذلك { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } لمن راعى حقوق ما آتاه الله تعالى كما ينبغي. وفي جعل خبر هذه الجملة هذين الوصفين الواردين على بناء المبالغة مع التأكيد باللام مع جعل خبر الأولى صفة جارية على غير من هي له ما لا يخفى من التنبيه على أنه سبحانه غفور رحيم بالذات لا تتوقف مغفرته ورحمته على شيء كما يشير إليه قوله سبحانه في الحديث القدسي " سبقت رحمتي غضبـي " مبالغ في ذلك فاعل للعقوبة بالعرض وبعد صدور ذنب من العبد يستحق به ذلك، وما ألطف افتتاح هذه السورة بالحمد وختمها بالمغفرة والرحمة نسأل الله تعالى أن يجعل لنا الحظ الأوفر منهما إنه ولي الإنعام وله الحمد في كل ابتداء وختام.

ومن باب الإشارة في الآيات: { سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } بالله تعالى وأثبتوا وجوداً غير وجوده { لَوْ شَاءَ ٱللَّهُ } تعالى { مَا أَشْرَكْنَا } به سبحانه شيئاً { وَلاَ } أشرك { آبَاؤُنَا } من قبلنا { وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَىْء } قالوا ذلك تكذيباً للرسل عليهم السلام { كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } وقالوا مثل قولهم { حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا } الذي حل بهم لتكذيبهم وهو الحجاب { قُلْ هَلْ عِندَكُم مّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا } بالبيانإِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } [الأنعام: 148] لأنكم محجوبون في مقام النفس { قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَـٰلِغَةُ } أي إن كان الأمر كما قلتم فليس لكم حجة بل لله تعالى الحجة عليكم لأنه تعالى لا يشاء إلا ما يعلمه في الأزل ولا يعلم الشيء إلا على ما هو عليه في نفسه فلو لم تكونوا في أنفسكم مشركين سيئي الاستعداد لما شاء الله تعالى ذلك منكم

السابقالتالي
2 3