الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ }

قوله: { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ }: فيه وجهان، أحدهما: أنَّ " منَّا " صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ هو مبتدأٌ، والخبرُ الجملةُ مِنْ قولِه: { إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } تقديرُه: ما أحدٌ منا إلاَّ له مقامٌ، وحَذْفُ المبتدأ مع " مِنْ " جيدٌ فصيحٌ. والثاني: أنَّ المبتدأ محذوفٌ أيضاً، و { إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ } صفتُه حُذِفَ موصوفُها، والخبرُ على هذا هو الجارُّ المتقدم. والتقدير: وما منَّا أحدٌ إلاَّ له مقامٌ. قال الزمخشري: حَذَفَ الموصوفَ، وأقامَ الصفةَ مُقامَه كقولِه:
3826 ـ أنا ابنُ جَلا وطلاَّعُ الثَّنايا   ..........................
[وقوله]:
3827 ـ تَرْمي بكفَّيْ كان مِنْ أَرْمى البَشَرْ   
ورَدَّه الشيخُ فقال: " ليس هذا مِنْ حَذْفِ الموصوفِ وإقامةِ الصفةِ مُقامَه؛ لأنَّ المحذوفَ مبتدأٌ، و { إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ } خَبَرُه؛ ولأنه لا ينعقِدُ كلامٌ مِنْ قولِه: " وما منَّا أحد " ، وقوله: { إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ } مَحَطُّ الفائدةِ، وإنْ تُخُيِّل أن { إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } في موضع الصفةِ فقد نَصُّوا على أنَّ " إلاَّ " لا تكونُ صفةً إذا حُذِف موصوفُها، وأنها فارقتْ " غير " إذا كانتْ صفةً في ذلك لتمكّنِ " غير " في الوصف وَعَدَمِ تمكُّنِ " إلاَّ " فيه، وجَعَل ذلك كقولِه: " أنا ابنُ جَلا " أي: أنا ابنُ رجلٍ جَلا، و " بكفَّيْ كان " أي: رجل كان، وقد عَدَّه النَّحْويون مِنْ أقبحِ الضَّرائِر [حيث حَذَفَ الموصوفَ والصفةُ جملةٌ لم تتقدَّمْها " مِنْ " بخلافِ قولِه " مِنَّا ظَعَنَ ومنَّا أقام " يريدون: مِنَّا فريقٌ ظَعَن، ومنَّا فريقٌ أقام] وقد تقدَّم نحوٌ من هذا في النساء عند قوله:وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ } [النساء: 159]. وهذا الكلامُ وما بعده ظاهرُه أنه من كلامِ الملائكةِ. وقيل: مِنْ كلامِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. ومفعول " الصافُّون " و " المُسَبِّحون " يجوزُ أن يكونَ مُراداً أي: الصافُّون أقدامَنا أو أجنحتَنا، والمسبِّحون اللَّهَ تعالى وأنْ لا يُرادَ البتةَ أي: نحن مِنْ أهلِ هذا الفعلِ.