الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }

قوله تعالى { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } وصف سبحانه اهل وده ومحبته وعشقه وشوقه الذين اذا ناموا ناموا بالحق من كمال سكرهم واذا انتبهوا من ركضة الام حزن فوت وصاله ولذيذ مناجاته فانصرف جنوبهم عن مضاجعهم بغير اختيارهم كان الارض القتهم من نفسها وذلك مما ينكشف لهم من استار الملك والملكوت ويظهر لهم انوار مشاهدة الحق ويفتح ابواب قربه ووصاله ثم زاد فى وصفهم بقوله { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } خوفا من هجرانه واجلالا لجلاله وطمعا فى وصاله { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } يعنى يبذلون ارواحهم واشباحهم لله ثم ذكر ما يجازيهم من جمال قربه وكشف لقائه بقوله { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } قوة اعينهم انوار جماله وجلاله وذلك جزاء احتراقهم فى حبه بقوله { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } قال سهل فى قوله تتجافى جنوبهم عن المضاجع ان الله وهب لقوم هبة وهو أنه أذن لهم فى مناجاته وجعلهم من اهل وسيلته وصفوته وخيرته ثم مدحهم على ذلك اظهارا لكرامته بانه وقفتهم بما وقفتهم له فقال تتجافى فى جنوبهم عن المضاجع وقال ابن عطا جفت جنوبهم وابت ان تسكن على بساط الغفلة وطلب بساط القربة والمناجاة وانشد
جفت عينى عن التغميض حتى   كأن جفونها عن قصار
كأن جفونه سلمت بشوك   فليس لنومه فيها قرار
اقول وليتنى تزداد طولا   ايا ليل لقد بعد النهار
وقال جعفر خوفا منه وطمعا فيه وقال بعضهم خوفا من القطيعة وطمعا فى الوصلة وقال ابن عطاء قرت اعينهم بما سبق لهم من حسن الموافقة مع ربهم وقال سهل قرت اعينهم بما شاهدوا من ظاهر الحقائق وباطنها الذى كشف لهم من علم المكاشفة مراده وتمسكوا به فقرت بذلك اعينهم وسكنت اليه قلوبهم وقال الجنيد تجافت جنوب العارفين عن انفسهم وتقطعت قلوبهم للحق وجنبت اسرارهم بالصدق قال محمد بن على الباقر تجافت جنوب الزهاد من نعيم الدنيا لما وجدوا من حلاوة نعيم العقبى وجنوب العارفين عن التدبير والاختيار فاستقروا على احكام الرضا وقال ابن عطا اخفى لهم من مبارزه ما يعجز النفوس من التفكر فيها فلن تأمنها قال الاستاذ اما الاحباب فالليل لهم اما طرب فى التلاقى او طرب الفراق فان كانوا فى انس القربة فليلهم اقصر من اللحظة كما قالوا
زارنى من هويت بعد بعاد   بوصال مجدد ووداد
وان كان الوقت وقت مقاساة فرقة والفراد بكونه فليلهم طويل كما قالوا
كم ليلة فيك لا صباح لها   أفنيتها قابضاً على كبدى
قد عصت العين بالدموع وقد   وضعت خدى على بنان يدي
وقال خوفاً من العذاب وطمعا فى الثواب وأخرون خوفا من الفراق وطمعا فى التلاقى.