الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }

{ إنَّ الصَّفا } جبل بمكة، وأصله جمع صفاة وهى الصخرة الملساء، وقيل الحجر الصافى. { والمرْوةَ } جبل بمكة وأصله الرخو، والثلاثة فصاعداً مرو ومروات وأل فيهما اللمح الأصل، فهما علمان على الجبلين الصغيرين الواقعين فى طرفى المسعى. { مِنْ شَعَائرِ الله } أى من الأشياء التى هى علامات دين الله عز وجل فإن الشعائر جمع شعيرة وهى العلامة، من قولك شعرت بالشئ، أى علمت به، وشعر الشئ فهو شعيرة، أى علامة، وكل ما كان معلما يتقرب به إلى الله من صلاة ودعاء وذبيحة وغير ذلك فهو شعيرة، وشهر استعمالها فى مواضع أداء الحج، كالصفا والمروة وما بينهما، وعرفات ومنى والمزدلفة، وتفسير الشعائر بالحرمات تفسير بما فى نفس الأمر لا تفسير بمعناه اللغوى، وقال مجاهد معنى قوله { من شعائر الله } ، مما أشعركم الله بفضله، فهو من الإشعار بالكلام، ومن كلمك بشئ فقد أشعرك به، وشعرت به أحسست به من سمعى، وشعرت أحسست بإحدى المحسات. { فمن حج البيت } أى من قصد الكعبة بإحرام، والذهاب لمنى والوقوف بعرفات، والمبيت بالمزدلفة، والرمى والسعى والطواف والذكر فى ذلك كله، وظهر لك بهذا أن الحج فى الآية لغوى صادق على الشرعى، بدليل تعديته إلى البيت بنفسه، ووجه ذلك أن اللغوى أعم، والشرعى أخص، والعام يصدق بالخاص، فلو قلت الإنسان حيوان لصدقت، بمعنى أن فيه حياة، وكان إخباراً لا تعريفاً تاماً، بل كل جزء من الحج الشرعى وهو الإتيان بما ذكرت من الإحرام وما بعده حج لغوى، لأنه مقصود، واللغوى قصد، وإنما ذكر البيت وحده مع أن تلك المواضع المذكورة والمشار إليها كلها تقصد، لأنها تقصد مرتبة على شأن البيت وتعظيمه { أو اعْتَمر } أى اعتمره إذا زاره، أعنى البيت بمعنى أنه زار الكعبة بإحرام وسعى وطواف وذِكر، فالاعتمار لغوى أيضاً صادق بالشرع صدق العام بالخاص، مستعملا فى الخاص على حد ما مر فى الحج. { فلا جُناحَ عَليْه } لا إثم عليه، وأصله من جنح إذا مال عن حق أو باطل، أطلق على الإثم، لأن فيه ميلا عن الحق، وهو بضم الجيم ويحتمل أن يكون من معناه ومادته جناح الطائر بفتح الجيم، لأنه فى جانب مائل عن الجانب الآخر وعن وسط الظهر. { أنْ يَطَّوَّف بهِما } أى يدور بهما ويسعى بينهما، فإن الطواف والدوران، كما يطلقان على الإحاطة بالشئ من جوانبه، يطلقان على التردد عليه، أو بينه وبين الآخر، والباء للإلصاق، وأصل يطوف يتطوف أبدلت التاء طاءً وسكنت وأدغمت فى الطاء. وقرئ يطوف بفتح الياء وضم الطاء خفيفة وإسكان الواو. وقال القرطبى فى تفسيره ذكَّرَ الصفا لأن آدم وقف عليه، وأنث المروة لأن حواء وقفت عليها، ويعنى بتذكير الصفا كونه بلا تاء، وقد كان يمكن أن يكون بالتاء تسمية بالمفرد، ويعنى بتأنيث المروة كونه بالتاء، ويجوز أن يكون تذكير الصفا لأنه كان عليه إساف، وهو اسم صنم، ولا علامة تأنيث فى إساف، وأنث المروة لأنه كان عليه نائلة وهو اسم صنم، وفيه علامة التأنيث وهى التاء، زعم أهل الكتاب أن إساف ونائلة رجل وامرأة زنيا فى الكعبة، فمسخا حجرين، وجعل إساف على الصفا وجعلت نائلة على المروة، ليعتبر بهما، فلما طالت المدة عُبدا من دون الله، وكان أهل الجاهلية إذا سعوا مسحوا بهما، فلما جاء الإسلام، وكسر الأصنام، تحرج المسلمون أن يطوفوا بينهما، فنزلت الآية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6