الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

ذكرت رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم في الآية التي قبل هذه من قصّة موسى عليه السلام إستطراداً بحسب نظم الكلام، ولكنّها هي المقصودة بالذات من القصّة ومن سائر قصص الرسل عليهم السلام، ولما كان ذكرها في سياق القصّة لدعوة أهل الكتاب إلى الإسلام وإقامة الحجّة عليهم بذكره صلى الله عليه وسلم في كتبهم والبشارة برسالته على ألسنة أنبيائهم، وبيان ما يكون لهم من الفلاح والفوز بالإيمان به صلى الله عليه وسلم وإتباعه ناسب أن يقفى على ذلك ببيان عموم بعثته صلى الله عليه وسلم ودعوة الناس كافّة إلى الإيمان بالله تعالى وبه، فقال عزَّ وجلّ مخاطباً له صلواته وسلامه عليه:

{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } هذا خطاب عام لجميع البشر من العرب والعجم وجه إليهم محمّد بن عبد الله النبيّ العربيّ الهاشمي بأمر الله تعالى ينبّئهم به أنّه رسول الله تعالى إليهم كافة، لا إلى قومه العرب خاصّة كما زعمت العيسويّة من اليهود، فهو كقوله تعالى:وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً } [سبأ: 28] وقوله:وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ } [الأنعام: 19] أي وأنذر به كلّ من بلغه من الثقلين، فمَنْ قال إنّه يؤمن برسالته إلى العرب خاصّة لا يعتد بإيمانه لأنّه مكذب لهذه النصوص العامّة القطعية ممّا جاء به.

وما في معناها كقوله تعالى:تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [الفرقان: 1] وقوله:وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 107] وهو يشمل عقلاء الجن. وفي هذا المعنى أحاديث صحيحة ناطقة بإختصاصه صلى الله عليه وسلم بالرسالة العامّة كحديث جابر في الصحيحين وغيرهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبيّ يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامّة " وفي رواية كافة. ورواه آخرون عن غيره بألفاظ أخرى.

ولمّا كانت الشفاعة على إطلاقها غير خاصة به صلى الله عليه وسلم ذهب الجمهور إليّ أن الخاص به الشفاعة العظمى لجميع الخلق بفصل القضاء فيهم ومحاسبتهم ليعلم مستقر كلّ منهم، وفي أحاديث الصحيحين وغيرهما أن أهل الموقف يرسلون الوفود إلى آدم فنوح فإبراهيم فموسى فعيسى عليهم السلام يطلبون منهم الشفاعة عند الله تعالى بفضل القضاء، فيعترف كلّ منهم بأن هذا ليس من شأنه ويقول: " لست هناكم " ويطلب النجاة لنفسه ويحيلهم على من بعده، حتى إذا أحالهم عيسى على محمّد صلوات الله عليه وعليهم أجمعين أجابهم إلى طلبهم وقال: " أنا لها " وفي رواية " أنا صاحبكم " فيشفع في فصل القضاء بين الخلق فتقبل شفاعته.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد