الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ }؛ أي ما يَنْظُرُ أهلُ مكةَ بعد نزولِ الآيات وقيام الْحُجَجِ عليهم إلا إتيانَ مَلَكِ الموتِ وأعوانهِ لِقَبْضِ أرواحهم؛ أي لَمْ يَبْقَ إلاَّ هذا. قولهُ: { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ }؛ معناهُ: أو يَأْتِيَ أمرُ ربكَ بإهلاكِهم والانتقامِ منهم؛ إمَّا بعقابٍ عاجل أو بالقيامَةِ. وقولهُ: { أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ }؛ يعني طلوعَ الشَّمْسِ من مغربها.

قال الحسن: (أوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبكَ الْحَاجَّة مِنَ التَّوْبَةِ)، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " بَادِرُوا بالأَعْمَالِ سِتّاً: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبهَا؛ وَدَابَّةَ الأَرْضِ؛ وَخُرُوجَ الدَّجَّالِ؛ وَالدُّخَانَ؛ وَخُوَيْصَةَ أحَدِكُمْ - يَعْنِي مَوْتَهُ -، وَأمْرَ الْعَامَّةِ - يَعْنِي الْقِيَامَةَ ".

وقال صلى الله عليه وسلم: " بَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِب مَسِيْرَةَ أرْبَعِيْنَ سَنَةٍ، وَمَلَكٌ قَائِمٌ عَلَى ذلِكَ الْبَاب يَدْعُو النَّاسَ إلَى التَّوْبَةِ، فَإذا أرَادَ اللهُ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبهَا؛ طَلَعَتْ مِنْ ذلِكَ الْبَاب سَوْدَاءَ لاَ نُورَ لَهَا؛ فَتَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ ثُمَّ رَجَعَتْ، فَيُغْلَقُ الْبَابُ وَتُرَدُّ التَّوْبَةُ، ثُمَّ تَرْجِعُ إلَى شَرْقِهَا لِتَطْلُعَ بَعْدَ ذلِكَ مِائَةً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، إلاَّ أنَّها سَوْدَاءُ تَمُرُّ مَرّاً ".

وعن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا غَرَبَتِ الشَّمْسُ؛ رُفِعَ بهَا إلَى السَّمَاءِ السَّابعَةِ فِي سُرْعَةِ طَيَرَانِ الْمَلاَئِكَةِ، وَتُحْبَسُ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَيُسْتَأْذنُ مِنْ أيْنَ تَطْلُعُ؛ أمِنْ مَطْلَعِهَا أمْ مِنْ مَغْرِبهَا، وَكَذا الْقَمَرُ، فَلاَ يَزَالاَ كَذلِكَ حَتَّى يأْتِيَ اللهُ بالْوَقْتِ الَّذِي وَقَّتَهُ لِتَوْبَةِ عِبَادِهِ.

وَتَكْثُرُ الْمَعَاصِي فِي الأَرْضِ، وَيَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ فَلاَ يَأْمُرُ بهِ أحَدٌ، وَيَكْثُرُ الْمُنْكَرُ فَلاَ يَنْهَى عَنْهُ أحَدٌ، فَإذا فَعَلُوا ذلِكَ حُبسَتِ الشَّمْسُ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَإذا مَضَى مِقْدَارُ لَيْلَةٍ سَجَدَتْ، وَاسْتَأْذنَتْ رَبَّهَا مِنْ أيْنَ تَطْلُعُ، فَلَمْ يجِئْ لَهَا جَوَابٌ حَتَّى يُوَافِقَهَا الْقَمَرُ، فَيَسْجُدُ مَعَهَا؛ فَلاَ يَعْرِفُ مِقْدَارَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ إلاَّ الْمُتَهَجِّدُونَ فِي الأَرْضِ؛ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ عِصَابَةً قَلِيْلَةً فِي هَوَانٍ مِنَ النَّاسِ.

فَيَنَامُ أحَدُهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِثْلَ مَا يَنَامُ قَبْلَهَا مِنَ اللَّيَالِي، ثمَّ يَقُومُ فَيَتَهَجَّدُ ورْدَهُ؛ فَلاَ يُصْبِحُ؛ فَيُنْكِرُ ذلِكَ، فَيَخْرُجُ وَيَنْظُرُ إلَى السَّمَاءِ؛ فَإذا هِيَ باللَّيْلِ مَكَانَهَا وَالنُّجُومُ مُسْتَدِيْرَةٌ، فَيُنْكِرُ ذلِكَ وَيَظُنُّ فِيْهِ الظُّنُونَ، فَيَقُولُ: خْفَّتْ قِرَاءَتِي؛ أوْ قَصُرَتْ صَلاَتِي؛ أمْ قُمْتُ قَبْلَ حِيْنٍ؟!

ثُمَّ يَقُومُ فَيَعُودُ إلَى مُصَلاَّهُ، فَيُصَلِّي نَحْوَ صَلاَتِهِ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ يَنْظُرُ؛ فَلاَ يَرَى الصُّبْحَ، فَيَخْرُجُ فَإذا هُوَ باللَّيْلِ كَمَا هُوَ، فَيُخَالِطُهُ الْخَوْفُ، ثُمَّ يَعُودُ وَجِلاً خَائِفاً إلَى مُصَلاَّهُ، فَيُصَلِّي مِثْلَ ورْدِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَلاَ يَرَى الصُّبْحَ؛ فَيَشْتَدُّ بهِ الْخَوْفُ.

فَيَجْتَمِعُ الْمُتَهَجِّدُونَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي فِي مَسَاجِدِهِمْ، وَيَجْأَرُونَ إلَى اللهِ تَعَالَى بالْبُكَاءِ والتَّضَرُّعِ. فَيُرْسِلُ اللهُ تَعَالَى جِبْرِيْلَ عليه السلام إلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَيَقُولُ لَهُمَا: إنَّ اللهَ يأْمُرُكُمَا أنْ تَرْجِعَا إلَى مَغَاربكُمَا فَتَطْلُعَا مِنْهُ، فإنَّهُ لاَ ضَوْءَ لَكُمَا عِنْدَنَا وَلاَ نُورَ، فَيَبْكِيَانِ عِنْدَ ذلِكَ وَجَلاً مِنَ اللهِ بُكَاءً يَسْمَعُهُ أهْلُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَأهْلُ سُرَادُقَاتِ الْعَرْشِ، ثُمَّ يَبْكِي مَنْ فِيْهِمَا مِنَ الَْخَلاَئِقَ مِنْ خَوْفِ الْمَوْتِ وَالْقِيَامَةِ.

فَبَيْنَمَا الْمُتَهَجِّدُونَ يَبْكُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ وَالْغَافِلُونَ فِي غَفَلاَتِهِمْ؛ إذا بالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ قَدْ طَلَعَتَا مِنَ الْمَغْرِب أسْوَدَانِ لاَ ضَوْءَ لِلشَّمْسِ وَلاَ نُورَ لِلْقَمَرِ كَصِفَتِهِمَا فِي كُسُوفِهِمَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } ، فَيَرْتَفِعَانِ كَذلِكَ مِثْلَ الْبَعِيْرَيْنِ يُنَازعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتِبَاقاً، فَيَتََصَارَخُ أهْلُ الدُّنْيَا حِيْنَئِذٍ وَيَبْكُونَ.

فَأَمَّا الصَّالِحُونَ فَيَنْفَعُهُمْ بُكَاؤُهُمْ، وَيُكْتَبُ لَهُمْ عِبَادَةً، وَأمَّا الْفَاسِقُونَ فَلاَ يَنْفَعُهُمْ بُكَاؤُهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَيُكْتَبُ ذلِكَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً وَنَدَامَةً. فَإذَا بَلَغَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ سُرَّةَ السَّمَاءِ وَمُنْتَصَفَهَا، جَاءَ جِبْرِيْلُ فَأَخَذ بقُرُونِهِمَا فَرَدَّهُمَا إلَى الْمَغْرِب؛ فَيَغْرُبَانِ فِي بَاب التَّوْبَةِ ".

فَقَالَ عُمَرُ: بأَبي وَأُمِّي أنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَا بَابُ التَّوْبَةِ؟ قَالَ: " يَا عُمَرُ؛ خَلَقَ اللهُ بَاباً لِلتَّوْبَةِ خَلْفَ الْمَغْرِب؛ لَهُ مِصْرَاعَانِ مِنْ ذهَبٍ؛ مَا بَيْنَ المِصْرَاعِ إلَى الْمِصْرَاعِ أرْبَعُونَ سَنَةً لِلرَّاكِب، فَذلِكَ الْبَابُ مَفْتُوحٌ مُنْذُ خَلَقَ اللهُ خَلْقَهُ إلَى صَبيْحَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مِنْ مَغْرِبهِمَا، فَإذا غَرَبَا فِي ذلِكَ الْبَابِ رُدَّ الْمِصْرَاعَانِ وَالْتَأَمَ مَا بَيْنَهُمَا، فَيَصِيْرُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا صَدْعٌ. فَإذا أُغْلِقَ بَابُ التَّوْبَةِ لَمْ يُقْبَلْ لِلْعَبْدِ تَوْبَةٌ بَعْدَ ذلِكَ، وَلَمْ يَنْفَعْهُ حَسَنَةٌ يَعْمَلُهَا إلاَّ مَنْ كَانَ قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِناً، فَإنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ مَا كَانَ يَجْرِي قَبْلَ ذلِكَ الْيَوْمِ ".


السابقالتالي
2