الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ }

{ هَلْ يَنظُرُونَ } يعني: قد أقمنا حجج الواحدانية وثبوت الرسالة أبطلنا ما كانوا يعتقدون من الضلالة. فما ينتظر هؤلاء بعد تكذيبهم الرسل وإنكارهم القرآن وصدّهم عن آيات الله؟

قال البيضاويّ: يعني: أهل مكة. وهم ما كانوا منتظرين لذلك. ولكن لما كان يلحقهم لحوق المنتظر، شبهوا بالمنتظرين. { إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ } يعني: للحكم وفصل القضاء بين الخلق يوم القيامة.

قال ابن كثير: وذلك كائن يوم القيامة. وقد تقدم الكلام في معنى الآية في سورة البقرة عند قوله تعالى:هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ } [البقرة: 210] بما فيه كفاية.

ومذهب السلف: إمرار ذلك بلا كيف، كما مرّ مراراً.

قيل: { إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ }: أي: ملائكة الموت لقبض أرواحهم { أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ } وذلك قبل يوم القيامة، كائن من أمارات الساعة وأشراطها حين يرون شيئاً من ذلك. كما روى البخاريّ في تفسير هذه الآية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها. فإذا رآها الناس آمن من عليها، فذاك حين لا ينفع نفساً إيمانُها لم تكن آمنت من قبل " ورواه مسلم أيضاً، ولمسلم والترمذيّ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض ".

{ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ } صفة { نَفْساً } { أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً } عطف على { ءَامَنَتْ } والمعنى: أن بعض أشراط الساعة إذا جاء، وهي آية ملجئة مضطرة، ذهب أوان التكليف عندها، فلم ينفع الإيمان حينئذ نفساً غير مقدّمة إيمانها من قبل ظهور الآيات. أو مقدمة الإيمان غير كاسبة في إيمانها خيراً لفسقها. فتوبتها حينئذ لا تجدي.

قال الطبريّ: معنى الآية: لا ينفع كافراً لم يكن آمن قبل الطلوع، إيمانٌ بعد الطلوع. ولا ينفع مؤمناً لم يكن عمل صالحاً قبل الطلوع، عملٌ صالح بعد الطلوع. لأن حكم الإيمان والعمل الصالح حينئذ، حكم من آمن أو عمل عند الغرغرة. وذلك لا يفيد شيئاً. كما قال تعالى:فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا } [غافر: 85]، وكما ثبت في الحديث الصحيح: " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " انتهى.

وبالجملة: فالمعنى: أنه لا ينفع من كان مشركاً إيمانه. ولا تقبل توبة فاسق عند ظهور هذه الآية العظيمة التي تضطرهم إلى الإيمان والتوبة. وذلك لذهاب زمن التكليف.

قال الضحاك: من أدركه بعض الآيات، وهو على عمل صالح مع إيمانه، قبل الله منه العمل الصالح بعد نزول الآية، كما قبل منه قبل ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5