الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

قوله { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ } في محلِّه أوجه:

أحدها: الجر نعتاً لقولهلِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } [الأعراف:156].

الثاني: أنَّهُ بدلٌ منه.

الثالث: أنَّهُ منصوبٌ على القطع.

الرابع: أنَّهُ مرفوع على خبر مبتدأ مضمر وهو معنى القطع أيضاً.

الخامس: أنه مبتدأ وفي الخبر حينئذٍ وجهان: أحدهما الجملةُ الفعليَّةُ من قوله: " يأمُرُهُم بالمَعْرُوفِ ". والثاني: الجملةُ الأسميَّةُ من قوله:فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [الأعراف: 8] ذكر ذلك أبُو البقاءِ، وفيه ضعف بل مَنْعٌ كيف يجعل: " يَأمُرُهُم " خبراً وهو من تتمة وَصْفِ الرسول صلى الله عليه وسلم، أو على أنَّهُ معمولٌ للوجدان عند بعضهم؟ كيف يجعل " أولئكَ هُمُ المفلِحُونَ " خبراً لهذا الموصول؟ والموصولُ الثاني وهو قوله: { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ } يطلبه خبراً، لا يتبادَرُ الذهن إلى غيره، ولو تبادر لم يكن مُعْتَبراً.

قوله " الأمِّيَّ " العامَّةُ على ضمِّ الهمزة، نسبةً إمَّا إلى الأمة وهي أمَّةُ العرب؛ وذلك لأن العرب لا تحسب ولا تكتب، ومنه الحديث " أنَّا أمَّةٌ أمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ ولا نَحْسُبُ " ، وإمَّا نسبةً إلى " الأمّ " وهو مصدر " أمَّ يَؤمُّ " أي: قصد يقصد، والمعنى على هذا: أن النبيَّ الكريم مقصود لكل أحدٍ، وفيه نظر؛ لأنه كان ينبغي أن يقال: " الأَمِّيّ " بفتح الهمزة.

وقد يقال: إنَّهُ من تغيير النَّسب، وسيأتي أنَّ هذه قراءةٌ لبعضهم، وإمَّا نسبةً إلى " أمِّ القرى " وهي مكة وإمَّا نسبةً إلى الأمّ، فالأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب على حالةِ ولادته من أمه.

وقرأ يعقوب الأَمِّيَّ بفتح الهمزة، وخَرَّجهَا بعضُهُمْ، على أنَّهُ من تَغْييرِ النَّسبِ، كما قالوا في النَّسب إلى أمَيَّة: أموي، وخرَّجها بعضُهم على أنَّهَا نسبةٌ إلى " الأَمِّ " وهو القصد، أي الذي هو على القصْدِ والسَّدادِ، وقد تقدم ذلك في القراءة الشهيرة، فكل من القراءتين يحتملُ أن تكون مُغَيَّرَةً من الأخرى.

قوله يَجِدُونَهُ الظَّاهرُ أنَّ هذه متعديةٌ لواحد؛ لأنَّها اللُّقْيَة، والتقدير: يَلْقونَهُ أي: يلقَوْنَ اسمه ونعته مَكْتُوباً؛ لأنَّهُ بمعنى: وُجْدَانِ الضالَّة، يكون مَكْتُوباً حالاً من الهاء في يَجِدُونَه.

وقال أبُو عليِّ: " إنَّهَا متعدية لاثنين، أوَّلهما: الهاءُ ".

والثاني: " مَكْتُوباً ".

قال " ولا بدّ من حذف هذا المضاف، أعني قوله: ذكره، أو اسمه ".

قال سيبويه: " تقولُ إذا نظرت في هذا الكتاب: هذا عمرو، وإنَّما المعنى هذا اسم عمرو، وهذا ذِكْر عمرو وقال مجاهد وهذا يجوزُ على سعةِ الكلامِ ".

قوله { عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ }. هذا الظَّرف، وعديلُه كلاهما متعلِّقٌ بـ " يَجِدُونَ " ، ويجوزُ - وهو الأظهر - أن يتعلَّقا بـ " مَكْتُوباً " أي: كُتِبَ اسمُهُ ونَعْتُهُ عندهم في توراتهم وإنجيلهم.

السابقالتالي
2 3 4 5