الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ }

{ هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً } غير صعبة يسهل جداً عليكم السلوك فيها، فهو فعول للمبالغة في الذل من ذل بالضم ويكسر ضد الصعوبة، ويستعمل المضموم فيما يقابل العز كما يقتضيه كلام «القاموس». وقال ابن عطية الذلول فعول بمعنى مفعول أي مذلولة كركوب وحلوب انتهى وتعقب بأن فعله قاصر وإنما يعدى بالهمزة أو التضعيف فلا يكون بمعنى المفعول. واستظهر أن مذلولة خطأ وقال بعضهم يقولون للدابة إذا كانت منقادة غير صعبة ذلول من الذل بالكسر وهو سهولة الانقياد وفي الكلام استعارة وقيل تشبيه بليغ. وتقديم { لَكُمُ } على مفعولي الجعل مع أن حقه التأخر عنهما للاهتمام بما قدم والتشويق إلى ما أخر فإن ما حقه التقديم إذا أخر لا سيما عند كون المقدم مما يدل على كون المؤخر من منافع المخاطبين تبقى النفس مترقبة لوروده فيتمكن لديها عند ذكره فضل تمكن.

والفاء في قوله تعالى: { فَٱمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا } لترتيب الأمر على الجعل المذكور، وزعم بعضهم أنها فصيحة. والمراد بمناكبها على ما روي عن ابن عباس وقتادة وغيرهما جبالها، وقال الحسن طرقها وفجاجها. وأصل المنكب مجتمع ما بين العضد والكتف واستعماله فيما ذكر على سبيل الاستعارة التصريحية التحقيقية وهي قرينة المكنية في الأرض حيث شبهت بالبعير كما ذكره الخفاجي ثم قال فإن قلت كيف تكون مكنية وقد ذكر طرفها الآخر في قوله تعالى: { ذَلُولاً } قلت هو بتقدير أرضاً ذلولاً فالمذكور جنس الأرض المطلق والمشبه هو / الفرد الخارجي وهو غير مذكور فيجوز كون ذلولاً استعارة والمكنية حينئذٍ هي مدلول الضمير لا المصرح بها في النظم الكريم والمانع من الاستعارة ذكر المشبه بعينه لا بما يصدق عليه فتأمل ولا تغفل.

وفي «الكشاف» ((المشي في مناكبها مثل لفرط التذليل ومجاوزته الغاية لأن المنكبين وملتقاهما من الغارب أرق شيء من البعير وأنباه عن أن يطأه الراكب بقدمه ويعتمد عليه لم يترك بقية من التذليل))، والمراد إنه ليس هنا أمر بالمشي حقيقة وإنما القصد به إلى جعله مثلاً لفرط التذليل سواء كانت المناكب مفسرة بالجبال أو غيرها وسواء كان ما قبل استعارة أو تشبيهاً.

{ وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ } انتفعوا بما أنعم جل شأنه وكثيراً ما يعبر عن وجوه الانتفاع بالأكل لأنه الأهم الأعم. وفي «أنوار التنزيل» أي التمسوا من نعم الله سبحانه وتعالى، على أن الأكل مجاز عن الالتماس من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم قيل وهو المناسب لقوله تعالى { ٱمْشُواْ } وجوز بعض إبقاءه على ظاهره على أن ذلك من قبيل الاكتفاء وليس بذاك.

واستدل بالآية على ندب التسبب والكسب وفي الحديث «إن الله تعالى يحب العبد المؤمن المحترف» وهذا لا ينافي التوكل بل أخرج الحكيم الترمذي عن معاوية بن قرة قال: مر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بقوم فقال: من أنتم فقالوا: المتوكلون قال: أنتم المتأكلون إنما المتوكل رجل ألقى حبه في بطن الأرض وتوكل على ربه عز وجل.

السابقالتالي
2