قوله: { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ }. معناه: الله يجازيهم على قولهم. والعرب تسمي جزاء الذنب باسمه. قال الله جل ذكره:{ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [الشورى: 40]. وقال:{ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } [البقرة: 194]. فالأول من هذا استهزاء وسيئة، وعدوان، والثاني: جزاء عليه، فسمي باسمه اتساعاً لأن المعنى قد علم. وقيل: معنى { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ }: أي يقطع عنهم نورهم يوم القيامة إذا أخلوا على الصراط [ويديم نور] المؤمنين وهو قوله:{ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } [الحديد: 13]، فهو يعطيهم يوم القيامة نوراً لا يتم لهم، ولا ينتفعون به / لانقطاعه عنهم. وقال الحسن: " إن جهنم تجمد كما تجمد الإهالة في القدر، فيقال لهم: هذا طريق، فيمضون فيه فيخسف بهم إلى الدرك الأسفل من النار. وروى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال: " يقال لأهل النار يوم القيامة: أخرجوا من النار. وتفتح لهم أبواب النار فإذا رأوا الأبواب قد فتحت أقبلوا إليها، يريدون الخروج منها، والمؤمنون ينظرون إليهم من الجنة - وهم على الأرائك - فإذا انتهى أهل النار إلى أبوابها يريدون الخروج منها غلقت [أبوابها دونهم]، فذلك قوله: { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ } ، قال: ويضحك المؤمنون عند ذلك، وهو قوله:{ فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } [المطففين: 34]. وقيل: معنى: { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ } أي يظهر لهم من أحكامه في الدنيا في حقن دمائهم وسلامة أموالهم خلاف ما يظهر لهم من عذابه يوم القيامة جزاء على إظهارهم للمؤمنين في الدنيا خلاف ما يبطنون. وقيل: معناه: يُمْلي لهم، كما قال:{ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [القلم: 44]. / قوله: { وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }. أي يطيل لهم في الأجل المكتوب لهم، وهم في طغيانهم يتحيرون. والطغيان والعتو والعلو بغير الحق، والعمه التحير. / وقيل: معنى { يَعْمَهُونَ } يركبون رؤوسهم، فلا يبصرون رشدهم كما قال:{ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ } [الملك: 22] وهذا كله من صفات المنافقين عند أكثر المفسرين. وقال الضحاك: " هو في اليهود ".