الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِنَّهَا لَظَىٰ }

قوله: { إِنَّهَا لَظَىٰ نَزَّاعَةً }: في الضميرِ ثلاثةُ أوجُهٍ، أحدُها: أنه ضميرُ النار، وإنْ لم يَجْرِ لها ذِكْرٌ لدلالةِ لفظِ " عذاب " عليها. والثاني: أنه ضميرُ القصةِ. الثالث: أنه ضميرٌ مبهمٌ يُتَرْجِمُ عنه الخبرُ، قاله الزمخشري. وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك في قوله تعالى: { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا }. فعلى الأولِ يجوزُ في { لَظَىٰ نَزَّاعَةً } أوجهٌ: أَنْ يكونَ " لَظى " خبرَ " إنَّ " ، أي: إنَّ النارَ لَظى، و " نَزَّاعةٌ " خبرٌ ثانٍ، أو خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: هي نَزَّاعةٌ، أو يكونُ " لَظَى " بدلاً من الضميرِ المنصوبِ، و " نَزَّاعةٌ " خبرُ إنَّ، وعلى الثاني يكونُ " لَظى نَزَّاعةٌ " جملةً من مبتدأ وخبرٍ، في محلِّ الرفعِ خبراً لـ " إنَّ " مفسِّرةً لضمير القصة، وكذا على الوجهِ الثالثِ. ويجوزُ أَنْ يكونَ " نَزَّاعةٌ " صفةً لـ " لَظى " إذا لم تجعَلْها عَلَماً؛ بل بمعنى اللَّهَبِ، وإنما أُنِّث النعتُ فقيل: " نَزَّاعةٌ " لأنَّ اللهَبَ بمعنى النار، قاله الزمخشريُّ وفيه نظرٌ لأنَّ " لظى " ممنوعةٌ من الصَّرْفِ اتفاقاً.

قال الشيخ بعد حكايته الثالثَ عن الزمخشري: " ولا أدري ما هذا المضمرُ الذي تَرْجَمَ عنه الخبرُ؟ وليس هذا من المواضعِ التي يُفَسِّرُ فيها المفردُ الضميرَ، ولولا أنه ذَكَرَ بعد هذا " أو ضمير القصة " لَحَمَلْتُ كلامَه عليه ". قلت: متى جعله ضميراً مُبْهماً لَزِمَ أنَنْ يكونَ مفسَّراً بمفرد، وهو إمَّا " لظى " ، على أَنْ يكونَ " نزاعةٌ " خبرَ مبتدأ مضمرٍ، وإمَّا " نزاعةٌ " على أَنْ يكونَ " لظى " بدلاً من الضميرِ، وهذا أقربُ. ولا يجوزُ أَنْ يكونَ " لظى نَزَّاعةٌ " مبتدأ وخبراً، والجملةُ خبرٌ لـ " إنَّ " على أَنْ يكونَ الضميرُ مبهماً لئلا يَتَّحِدَ القولان، أعني هذا القولَ وقولَ إنها ضميرُ القصة، ولم يُعْهَدُ ضميرٌ مُفَسَّرٌ بجملةٍ إلاَّ ضميرُ الشأنِ والقصةِ.

وقراءةُ الرفعِ في " نَزَّاعَةٌ " هي قراءةُ العامَّةِ. وقرأ حفص وأبو حيوة والزعفَرانيُّ واليزيديُّ وابنُ مقسم " نَزَّاعَةً " بالنصب. وفيها وجهان، أحدُهما: أَنْ ينتصبَ على الحالِ. وفي صاحبِها أوجهٌ، أحدُهما: أنه الضميرُ المُسْتَكِنُّ في " لَظَى " لأنَّها، وإنْ كانَتْ عَلَماً، فهي جارِيَةٌ مَجْرَى المشتقات كالحارثِ والعَبَّاس، وذلك لأنها بمعنى التَّلَظِّي " ، وإذا عَمِلَ العَلَمُ الصريحُ والكُنْيَةُ في الظروف فلأَنْ يعملَ العَلَمُ الجاري مَجْرى المشتقاتِ في الأحوالِ أَوْلَى وأَحْرى. ومِنْ مجيء ذلك قولُه:
4330ـ أنا أبو المِنْهالِ بعضَ الأَحْيانْ   
ضَمَّنه معنى " أنا المشهورُ في بعض الأحيان ". الثاني: أنه فاعلُ " تَدْعو " وقُدِّمَتْ حالُه عليه، أي: تدعو/ حالَ كونِها نَزَّاعةً.

السابقالتالي
2