الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

قوله تعالى: { الله يستهزىء بهم }

اختلف العلماء في المراد، باستهزاء الله بهم على تسعة أقوال.

أحدها: أنه يفتح لهم باب من الجنة وهم في النار، فيسرعون إليه فيغلق، ثم يفتح لهم باب آخر، فيسرعون فيغلق، فيضحك منهم المؤمنون. روي عن ابن عباس.

والثاني: أنه إذا كان يوم القيامة جمدت النَّار لهم كما تجمد الإِهالة في القدر، فيمشون فتنخسف بهم. روي عن الحسن البصري.

والثالث: أن الاستهزاء بهم: إذا ضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له باب، باطنه فيه الرحمة، وظاهره من قبله العذاب، فيبقون في الظلمة، فيقال لهم:ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً } [الحديد: 13] قاله مقاتل.

والرابع: أن المراد به: يجازيهم على استهزائهم، فقوبل اللفظ بمثله لفظاً وإن خالفه معنى، فهو كقوله تعالى:وجزاء سيئة سيئة مثلها } [الشورى:40] وقوله:فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } [البقرة:194] وقال عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا   فنجهلَ فوق جهل الجاهلينَا
أراد: فنعاقبه بأغلط من عقوبته.

والخامس: أن الاستهزاء من الله التخطئة لهم، والتجهيل، فمعناه: الله يخطىء فعلهم، ويجهلهم في الإقامة على كفرهم.

والسادس: أن استهزاءه: استدراجه إياهم.

والسابع: أنه إيقاع استهزائهم بهم، وردّ خداعهم ومكرهم عليهم. ذكر هذه الأقوال محمّد بن القاسم الأنباري.

والثامن: أن الاستهزاء بهم أن يقال لأحدهم في النار وهو في غاية الذل:ذق إِنك أنت العزيز الكريم } [الدخان:49] ذكره شيخنا في كتابه.

والتاسع: أنه لما أظهروا من أحكام إسلامهم في الدنيا خلاف ما أبطن لهم في الآخرة، كان كالاستهزاء بهم.

قوله تعالى: { ويَمدُّهُمْ في طغيانهم يعمهون }

فيه أربعة أقوال. أحدها: يمكِّن لهم، قاله ابن مسعود. والثاني: يملي لهم، قاله ابن عباس. والثالث: يزيدهم، قاله مجاهد. والرابع: يمهلهم قاله الزجاج.

والطغيان: الزيادة على القدر، والخروج عن حيز الاعتدال في الكثرة، يقال: طغى البحر: إذا هاجت أمواجه، وطغى السيل: إذا جاء بماء كثير. وفي المراد بطغيانهم قولان. أحدهما: أنه كفرهم، قاله الجمهور. والثاني: أنه عتوهم وتكبرهم، قاله ابن قتيبة و «يعمهون» بمعنى: يتحيرون، يقال: رجل عمه وعامه، أي: متحير.

قال الراجز:
ومَخْفَقٍ من لُهلُهٍ ولُهْلُهِ   من مهمهٍ يجتبنه في مهمه
أعمى الهدى بالجاهلين العُمَّه   
وقال ابن قتيبة: يعمهون: يركبون رؤوسهم، فلا يبصرون.