الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

قوله تعالى: { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ } الآية: لا بُدَّ من الإضمار في هذه الآية في موضعين:

الأول: التقدير: قالوا: لئن أكلهُ الثئب ونحن عصبةٌ إنَّا إذاً لخاسرون فأذن له، وأرسله معهم، ثم يتصل به قوله ـ تعالى ـ: { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ }.

الثاني: في جواب { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ } أوجه:

أحدها: أنه محذوف، أي: عرفناه، وأوصلنا إليه الطمأنينة، وقدره الزمخشريُّ: " فعلوا به ما فعلوا من الأذى " وقدره غيره: عظمت فتنتهم، وآخرون: جعلوه فيها، وهذا أولى؛ لدلالة الكلام عليه.

الثاني: أن الجواب مثبت، وهو قوله:قَالُواْ يَأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا } [يوسف:17] أي:لمَّا كان كَيْتَ وكَيْتَ، قالوا. وفيه بعد؛ لبعد الكلام من بعضه.

الثالث: أن الجواب هو قوله: " وأوْحَيْنَا " والواو فيه زائدة، أي: فلما ذهبوا به أوحينا، وهو رأي الكوفيين، وجعلُوا من ذلك قوله ـ تعالى ـ:فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } [الصافات:103] أي: تله، " ونَاديْنَاهُ " ، وقوله عز وجل:حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [الزمر:73] وقول امرىء القيس: [الطويل]
3064ـ فَلَمَّا أحَزْنَا سَاحةَ الحَيِّ وانْتحَى     بِنَا بَطْنُ حِقْفٍ [ذِي رُكامٍ عَقَنْقَلِ]
تقدم أي فلما أجزنا انتحى وهو كثيرٌ عندهم بعد " لمَّا ".

قوله: " أن يَجعلُوهُ " " مَفْعُول " " أجْمعَوا " أي: عزمُوا على أن يجعلوه؛ لأنه يتعدَّى بنفسه، وبـ " عَلَى " فإنه يحتمل أن يكون على حذف الحرف، وألاّ يكون، فعلى الأول: يحتمل موضعه النصب والجرَّ، وعلى الثاني: يتعين النَّصب، والجعل يجوز أن يكون بمعنى: الإلقاء، وأن يكون بمعنى: التَّصيير فعلى الأول: يتعلَّق في " غَيَابةِ " بنفس الفعل قبله، وعلى الثاني: بمحذُوف، والفعل من قوله: " وأجْمَعُوا " يجوز أن يكُون معطوفاً على ما قبله، وأن يكُون حالاً، و " قَدْ " معه مضمرة عند بعضهم، والضمير في " إليْهِ " الظاهر عوده على يوسف، وقيل: يعود على يعقُوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

وقرأ العامَّة: " لتُنَبئَنَّهُمْ " بتاء الخطاب، وقرأ ابن عمر: بياء الغيبة، أي: الله ـ سبحانه وتعالى ـ.

قال أبو حيَّان: " وكذا في بعض مصاحف البصرة " وقد تقدَّم أن النقط حادث فإن قال: مصحف حادث غير مصحف عثمان رضي الله عنه فليس الكلام في ذلك.

وقرأ سلاَّم: " لنُنَبئَنَّهُمْ " بالنون، وهذا صفة لقولهم. وقيل: بدل. وقيل: بيان.

قوله: { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } جملة حالية، يجوز أن يكون العامل فيها " أوحينا " أي: أوحينا إليه من غير شعور إخوته ـ بالوحي، وأن يكون العامل فيها " لتُنَبئَنَّهُمْ " أي تخبرهم وهم لا يعرفونكم لبعد المدة وتغير الأحوال.

فصل

في المراد بقوله: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ } قولان:

الأول: المراد منه الوحي والنبوة والرسالة، وهو قول أكثر المحققين، ثم اختلف هؤلاء في أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ هل كان في ذلك الوقت بالغاً أو كان صبياً؟.

السابقالتالي
2