الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }

القراءة:

قرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وابو جعفر، وروح { عما تعملون } بالتاء. الباقون بالياء.

النزول:

وقال قوم ان هذه الآية نزلت قبل التي تقدمتها: وهي قوله: { سيقول السفهاء }

المعنى:

إن قبل لم قلب النبي (صلى الله عليه وسلم) وجهه في السماء، قلنا عنه جوابان:

احدهما - انه كان وعد بالتحويل عن بيت المقدس، وكان يفعل ذلك انتظاراً وتوقعاً لما وعد به.

والثاني - انه كان يحبه محبة الطباع، ولم يكن يدعو به حتى ادركه فيه، لان الانبياء لا يدعون إلا بما أذن لهم فيه لئلا تكون المصلحة في خلاف ما سألوه فيكون في ردهم تنفرّ عن قبول قولهم. وهذا الجواب يروى عن ابن عباس، وقتادة. وقيل في سبب محبة التوجه الى الكعبة ثلاثة اقول:

أولها - قال مجاهد: انه أحب ذلك، لانها كانت قبلة ابراهيم - حكاه الزجاج - انها احب ذلك استدعاء العرب الى الايمان.

اللغة:

وقوله: { قد نرى } فالرؤية هي ادراك الشيء من الوجه الذي يتبين بالبصر. وقوله: { تقلب وجهك } التقلب والتحول والتصرف نظائر: وهو التحرك في الجهات وقوله: { ترضاها } تحبها. والرضاء ضد السخط: وهو ارادة الثواب. والسخط ارادة الانتقام. وقوله: { شطر المسجد } اي نحوه، وتلقاه بلا خلاف بين اهل اللغة. وعليه المفسرون كابن عباس، ومجاهد، وابي العالية، وقتادة، والربيع، وابن زيد، وغيرهم. قال الشاعر:
وقد اظلكم من شطر ثغركم   هول له ظلم يغشاكم قطعا
اي من نحو ثغركم وانشد ابن عبيدة الهذلي:
ان العسير بها داء مخامرها   فشطرها نظر العينين محسور
وقال ابن احمر:
تعدو بنا شطر جمع وهي عاقدة   قد كارب العقد من ايفادها الحقبا
وقال الجبائي: اراد بالشطر النصف، كأنه قال: وجهك نصف المسجد، لان شطر الشيء: نصفه، فامره ان يولي وجهه نحو نصف المسجد حتى يكون مقابل الكعبة. وهذا فاسد، لانه خلاف أقوال المفسرين، ولان اللفظ اذا كان مشتركاً بين النصف، وبين النحو ينبغي ألاّ يحمل على احدهما إلا بدليل. وعلى ما قلناه اجماع المفسرين، قال الزجاج: يقال: هؤلاء القوم شاطرونا دورهم، تتصل بدورنا كما يقال هؤلاء يناحوننا أي نحن نحوهم وهم نحونا. وقال صاحب العين شطر كل شيء نصفه وشطره: قصده ونحوه، ومنه المثل احلب حلباً لك شطره اي نصفه. وشطرت الشيء جعلته نصفين، وقد شطرت الشاة شطاراً: وهو ان يكون احد طستها اكثر من الآخر وان حلبا جميعاً، ومنزل شطر: اي بعيد، وشطر فلان على اهله: اي تركهم مراغماً أو مخالفاً. ورجل شاطر. وقد شطر شطورة، وشطوراً وشطارة: وهو اعيا اهله خبثاً. وأصل الشطر النصف.

المعنى:

وقال السدي المعني بقوله { وإن الذين أوتوا الكتاب } هم اليهود. وقال غيره: هم احبار اليهود، وعلماء النصارى غير انهم جماعة قليلة يجوز على مثلهم اظهار خلاف ما يبطون، لان الجمع الكثير لا يتأتى ذلك منهم لما يرجع الى العادة، وانه لم يجز بذلك مع اختلاف الدواعي، وانما يجوز العناد على النفر القليل وقد مضى فيما تقدم نظير ذلك، وان على ما نذهب اليه في الموافاة لا يمكن أن يكونوا عارفين بذلك إلا أن يكون نظيرهم لا يوجه وجوب المعرفة، فاذا حصلت المعرفة عند ذلك فلا يستحقون عليه الثواب لان النبي (صلى الله عليه وسلم) يمنع منه ان يكونوا مستحقين للثواب الدائم ويكفرون فيستحقون العقاب الدائم والاحباط باطل، فيؤدي ذلك الى اجتماع الاستحقاقين الدائمين وذلك خلاف الاجماع.

السابقالتالي
2 3