الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }

المعنى:

قال الحسن، ومجاهد، والربيع، وقتادة، والسدي: كانوا يتمنون الموت بالشهادة بعد بدر قبل أحد، فلما رأوه يوم أحد أعرض كثير منهم عنه، فانهزموا فعاتبهم الله على ذلك. وقوله: { فقد رأيتموه } فيه حذف ومعناه رأيتم أسباب الموت، لأن الموت لا يرى كما قال الشاعر:
ومحلما يمشون تحت لوائه   والموت تحت لواء آل محلم
أي أسباب الموت. وقال البلخي: معنى { رأيتموه } أي علمتم، وأنتم تنظرون أسباب الموت من غير أن يكون في الأول حذف. فان قيل هل يجوز أن يتمنى قتل المشركين لهم ليناوا منزلة الشهادة؟ قلنا: لا، لأن قتل المشركين لهم معصية، ولا يجوز تمني المعاصي، كما لا يجوز إدارتها، ولا الأمر بها. فاذا ثبت ذلك، فتمنيهم الشهادة بالصبر على الجهاد إلى أن يقتلوا. وقال الجبائي: إنما تمنوا الموت دون القتل إذا كانوا مجاهدين. قال الازهري قوله: { رأيتموه وأنتم تنظرون } معناه وأعينكم صحيحة، كما يقول القائل رأيت كذا، وليس في عينك سوء. والفرق بين التمني والارادة أن الارادة من أفعال القلوب، والتمني هو قول القائل: ليت كان كذا وليت لم يكن كذا. وقوله: { وأنتم تنظرون } بعد، قوله { فقد رأيتموه } يحتمل أمرين:

أحدهما - أن يكون تأكيداً للرؤية، كما تقول: رأيته عياناً ورأيته بعيني وسمعته باذني، لئلا يتوهم رؤية القلب، وسمع العلم.

والثاني - أن يكون معناه وأنتم تتأملون الحال في ذلك كيف هي، لأن النظر هو تقليب الحدفة الصحيحة نحو المرئي طلباً لرؤيته، وليس معناه الرؤية على وجه الحقيقة.