الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ }

قوله تعالى: { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ }: في نصبه ستةُ أوجه، أحسنُها: أن يكونَ بدلاً من " حَمولة وفرشاً " لولا ما نقله الزجاج من الإِجماع المتقدم، ولكن ليس فيه أن ذلك محصورٌ في الإِبل، والقول بالبدل هو قول الزجاج والفراء. والثاني: أنه منصوب بـ " كلوا " الذي قبله أي: كلوا ثمانيةَ أزواج، ويكون قوله " ولا تَتَّبِعُوا " إلى آخره كالمعترض بين الفعل ومنصوبه وهو قول علي بن سليمان وقَدَّره: كُلوا لحمَ ثمانية. وقال أبو البقاء: " هو منصوب بـ " كلوا " تقديره: كُلوا مما رزقكم الله ثمانية أزواج، ولا تُسْرفوا معترض بينهما ". قلت: صوابه أن يقول: " ولا تتَّبعوا " بدلَ " ولا تسرفوا " لأنَّ " كُلوا " الذي يليه " ولا تسرفوا " ليس منصبّاً على هذا لأنه بعيد منه، ولأنَّ بعده ما هو أَوْلَى منه بالعمل، ويُحتمل أن يكون الناسخ غلط عليه، وإنما قال هو " ولا تَتَّبعوا " ويدل على ذلك أنه قال " تقديره: كلوا ممَّا رزقكم الله " ، وكلوا الأولُ ليس بعده " مما رزقكم " إنما هو بعد الثاني. الثالث: أنه عطف على " جنات " أي: أنشأ جنات وأنشأ ثمانية أزواج، ثم حُذِفَ الفعل وحرف العطف وهو مذهب الكسائي. قال أبو البقاء: " وهو ضعيف " قلت: الأمر كذلك، وقد سُمِع ذلك في كلامهم نثراً ونظماً، ففي النثر قولهم: " أكلت لحماً سمكاً تمراً " وفي نظمهم قول الشاعر:
2102ـ   كيف أصبحتَ كيف أَمْسَيْتَ مِمَّا
يزرَعُ الودَّ في فؤاد الكريمِ   
أي: أكلت لحماً وسمكاً وتمراً، وكيف أصبحت وكيف أمسيت، وهذا على أحد القولين في ذلك. والقول الثاني أنه بدل بداء. ومنه الحديث: " إن الرجلَ ليصلِّي الصلاة، وما كُتِبَ له نصفُها ثلثُها ربعُها إلى أن وصل إلى العَشْر " الرابع: أنه منصوب بفعل محذوف مدلولٍ عليه بما في اللفظ تقديره: كلوا ثمانيةَ أزواج، وهذا أضعفُ ممَّا قبله. الخامس: أنه منصوبٌ على الحال، تقديره:/ مختلفةً أو متعددة، وصاحب الحال " الأنعام " فالعامل في الحال ما تعلَّق به الجار وهو " مِنْ ". السادس: أنه منصوب على البدل مِنْ محلِّ " ممَّا رزقكم الله ".

قوله: { مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ } في نصب " اثنين " وجهان أحدهما: أنه بدلٌ من " ثمانية أزواج " وهو ظاهرُ قولِ الزمخشري فإنه قال: " والدليل عليه " ثمانية أزواج " ثم فَسَّرها بقوله " من الضأن اثنين " الآية. وبه صَرَّح أبو البقاء فقال: " واثنين بدل من الثمانية وقد عُطِفَ عليه بقية الثمانية ".

السابقالتالي
2