الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلأَنْعَٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

عُطف { حمولة } علىجنات معروشات } الأنعام 141 أي وأنشأ من الأنعام حمولة وفَرْشاً، فينسحب عليه القصر الّذي في المعطوف عليه، أي هو الّذي أنشأ من الأنعام حمولة وفرشاً لا آلهة المشركين، فكان المشركون ظالمين في جعلهم للأصنام حقّاً في الأنعام. ومِنْ في قوله { ومن الأنعام } ابتدائيّة لأنّ الابتداء معنى يصلح للحمولة وللفرش لأنَّه أوسع معاني مِن. والمجرور إمَّا متعلّق بــــأنشأ } الأنعام 141، وإمَّا حال من { حمولة } أصلها صفة فلمّا قدمت تحوّلت. وأيًّا ما كان فتقديم المجرور على المفعول الّذي هو أولى بالتّقديم في ترتيب المتعلّقات، أو تقديمُ الصّفة على الموصوف، لقصد الاهتمام بأمر الأنعام، لأنَّها المقصود الأصلي من سياق الكلام، وهو إبطال تحريم بعضها، وإبطالُ جعل نصيب منها للأصنام، وأمَّا الحمل والفَرْش فذلك امتنان أُدمج في المقصود توفيراً للأغراض، ولأنّ للامتنان بذلك أثراً واضحاً في إبطال تحريم بعضها الّذي هو تضييق في المنّة ونبذ للنّعمة، وليتمّ الإيجاز إذ يغني عن أن يقول وأنشأ لكم الأنعام وأنشأ منها حمولة وفرشاً، كما سيأتي. والأنعام الإبل، والبقر، والشّاء، والمعز، وقد تقدّم في صدر سورة العقود، والحمولة ــــ بفتح الحاء ــــ ما يحمل عليه المتاع أو النّاس يقال حمل المتاع وحمل فلاناً، قال تعالىإذا ما أتَوْك لتحملهم } التوبة 92 ويلزمها التّأنيث، والإفراد مثل صَرورة للّذي لم يحجّ يقال امرأة صَرورة ورجل صّرورة. والفرش اختلف في تفسيره في هذه الآية. فقيل الفرش ما لا يُطيق الحَمل من الإبل أي فهو يركب كما يُفرش الفَرش، وهذا قول الراغب. وقيل الفَرش الصّغار من الإبل أو من الأنعام كلّها، لأنَّها قريبة من الأرض فهي كالفرش، وقيل الفرش ما يذبح لأنّه يفرش على الأرض حين الذبح أو بعده، أي فهو الضان والمعز والبقر لأنَّها تذبح. وفي «اللّسان» عن أبي إسحاق أجمع أهل اللّغة على أنّ الفرش هو صغار الإبل. زاد في «الكشاف» «أو الفَرْش ما يُنْسَج من وبره وصوفه وشَعْره الفرْش» يريد أنه كما قال تعالىومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين } النحل 80، وقالوالأنعام خلقها لكم فيها دِفْءٌ ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم } النحل 5 ـــ 7 الآية، ولأنَّهم كانوا يفترشون جلود الغنم والمعز للجلوس عليها. ولفظ { فرشا } صالح لهذه المعاني كلّها، ومحامله كلّها مناسبة للمقام، فينبغي أن تكون مقصودة من الآية، وكأنّ لفظ الفرش لا يوازنه غيره في جمع هذه المعاني، وهذا من إعجاز القرآن من جانب فصاحته، فالحمولة الإبل خاصّة، والفَرش يكون من الإبل والبقر والغنم على اختلاف معاني اسم الفرش الصّالحة لكلّ نوع مع ضميمته إلى كلمة من الصالحة للابتداء. فالمعنى وأنشأ من الأنعام ما تحملون عليه وتركبونه، وهو الإبل الكبيرة والإبل الصّغيرة، وما تأكلونه وهو البقر والغنم، وما هو فرش لكم وهو ما يُجزّ منها، وجلودها.

السابقالتالي
2