الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

{ قُل } يا محمد { للَّذين آمنُوا } اغفروا للذين لا يرجون أيام الله، ويعفوا أو يصفحوا فيما علموا منهم من شتم أو مال أو ضرب أو غير ذلك { يغفروا } مجزوم بلازم الأمر محذوفة، أى قل لهم ليغفروا، والمعنى قل لهم اغفروا، أو مجزوم فى جواب قل، ولا يصح أن يجزم جواب اغفروا المقدر، إذ لا معنى لقولك: اغفروا يغفروا، والقول لا ينسحب على يغفروا، لأن يغفروا لم يدخل فى الحكاية.

{ للَّذين لا يرجُون أيَّام الله } أو فاته ثواب المؤمنين وفوزهم لانكارهم ذلك، أو للرجاء بمعنى توقع السوء من الله بالانتقام منهم، قال: يوم من أيام العرب، أى حرب، وذلك مجاز مرسل لعلاقة التضاد أو لعلاقة الاطلاق والتقييد، بأن وضع الرجاء لانتظار الخير، ثم اعتبر لمطلق الانتظار، وأخذ من هذا المطلق انتظار الشر، نفى الله تعالى من المشركين انتظاره لتكذيبهم به، وهذا الشر دنيوى أو أخروى، أو كل منهما، ومثل ذلك يقال فى المشركين قبل الأمر بالقتال وبعده، فلا نسخ.

وروى أن عمر رضى الله عنه شتمه مشرك من غفار بمكة، فهم أن يبطش به، فنزلت الآية، فهى مكية، وقيل: هم أن يبطش به بعد الهجرة، لأنه قبلها لا يقدر على البطش به، قلت لا دليل على هذا، لأن للمسلمين فيها قدرة على الانتقام اذا كان لأمر بدنى أو مالى، أو شتم لا لدينى يظهره، فلو انتقم لدينى يظهره لقوة قلبه وشجاعته وهيبته فى الناس، ولا سيما أنه قيل: شاتمه رجل من غفار، وذلك الغفران باظهار العفو، أو ما يدل له من حسن كلام أو عشرة أو غير ذلك، والأمر بالغفران أمر بترك الانتقام فى القلب لقصد الثواب، وقيل: آذى المشركون المسلمين فى مكة، وشكوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية.

وروى عن ابن عباس ما يدل أن الآية مدنية، أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه نزل فى غزوة المصطلق على بئر يقال لها المريسيع، فأرسل ابن أبى غلامه ليستقى فأبطأ فقال: ما حبسك؟ قال: غلام عمر قعد على طرف البئر فما ترك أحدا يستقى حتى ملأ قرب النبى صلى الله عليه وسلم، وقرب أبى بكر رضى الله عنه، فقال ابن أبى: ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل: سمن كلبك يأكلك، فبلغ ذلك عمر رضى الله عنه، فاشتمل على سيفه يريد التوجه اليه، فأنزل الله تعالى الآية، وعن ميمون بن مهران: لما أنزل الله تعالى:من ذا الذي يُقرض الله قرضاً حَسَناً } [البقرة: 245] قال فنحاص اليهودى: احتاج رب محمد، فسمع عمر بذلك فاشتمل سيفه وخرج، فبعث النبى صلى الله عليه وسلم فى طلبه حتى رده، ونزلت الآية، فهى مدنية.

السابقالتالي
2