الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ }

يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين أن يكونوا أنصار الله في جميع أحوالهم بأقوالهم وأفعالهم، وأنفسهم وأموالهم، وأن يستجيبوا لله ولرسوله كما استجاب الحواريون لعيسى حين قال { مَنْ أَنصَارِىۤ إِلَى ٱللَّهِ }؟ أي من معيني في الدعوة إلى الله عز وجل؟ { قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ } وهم أتباع عيسى عليه السلام { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } أي نحن أنصارك على ما أرسلت به، وموازروك على ذلك، ولهذا بعثهم دعاة إلى الناس في بلاد الشام في الإسرائيلين واليونانيين، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في أيام الحج " من رجل يؤويني حتى أبلغ رسالة ربي؟ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي " حتى قيض الله عز وجل له الأوس والخزرج من أهل المدينة، فبايعوه ووازروه، وشارطوه أن يمنعوه من الأسود والأحمر إن هو هاجر إليهم، فلما هاجر إليهم بمن معه من أصحابه، وفوا له بما عاهدوا الله عليه، ولهذا سماهم الله ورسوله الأنصار، وصار ذلك علماً عليهم، رضي الله عنهم وأرضاهم. وقوله تعالى { فَـآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ } أي لما بلغ عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام رسالة ربه إلى قومه، وآزره من وازره من الحواريين، اهتدت طائفة من بني إسرائيل بما جاءهم به، وضلت طائفة، فخرجت عما جاءهم به، وجحدوا نبوته، ورموه وأمه بالعظائم، وهم اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة، وغلت فيه طائفة ممن اتبعه حتى رفعوه فوق ما أعطاه الله من النبوة، وافترقوا فرقاً وشيعاً، فمن قائل منهم إنه ابن الله، وقائل إنه ثالث ثلاثة الأب والابن وروح القدس، ومن قائل إنه الله، وكل هذه الأقوال مفصلة في سورة النساء. وقوله تعالى { فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ } أي نصرناهم على من عاداهم من فرق النصارى، { فَأَصْبَحُواْ ظَـٰهِرِينَ } أي عليهم، وذلك ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله حدثني أبو السائب، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال، يعني ابن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال لما أراد الله عز وجل أن يرفع عيسى إلى السماء، خرج إلى أصحابه، وهم في بيت اثنا عشر رجلاً، من عين في البيت، ورأسه يقطر ماء، فقال إن منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي، قال ثم قال أيكم يلقى عليه شبهي، فيقتل مكاني، ويكون معي في درجتي؟ قال فقام شاب من أحدثهم سناً، فقال أنا. فقال له اجلس. ثم عاد عليهم فقام الشاب فقال أنا، فقال له اجلس ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال أنا، فقال نعم أنت ذاك.

السابقالتالي
2