الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

قوله تعالى: { شُهَدَآءِ }: فيه وجهان، أحدهما: أنه خبر ثان لـ " كان " وهذا فيه خلافٌ قد مَرَّ ذكره. والثاني: أنه حال من الضمير المستكن في " قَوَّامين " فالعاملُ فيها " قَوَّامين " وقد رَدَّالشيخ هذا الوجهَ بأنه يلزمُ منه تقييدُ كونِهم قوامين بحال الشهادة، وهم مأمورون بذلك مطلقاً، وهذا الردُّ ليس بشيء، فإن هذا المعنى نحا إليه ابن عباس قال - رضي الله عنه -: " كونوا قَوَّامين بالعدلِ في الشهادة على مَنْ كانَتْ " وهذا هو معنى الوجهِ الصائرِ إلى جَعْلِ " شهداء " حالاً.

قوله: { وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ } " لو " هذه تحتمل أَنْ تكونَ على بابها من كونِها حرفاً لما كان سيقعُ لوقوعِ غيرِه وجوابُها محذوفٌ أي: ولو كنتم شهداءَ على أنفسكم لوجب عليكم أن تَشْهدوا عليها. وأجاز الشيخ أن تكونَ بمعنى " إن " الشرطية،ويتعلَّقُ قولُه " على أنفسكم " بمحذوفٍ تقديرُه: وإن كنتم شهداء على أنفسكم فكونوا شهداء لله، هذا تقديرُ الكلام، وحَذْفُ " كان " بعد " لو " كثير، تقول: ائتِني بتمر ولو حَشَفاً " أي: وإن كان التمر حشفاً فأتني به ". انتهى وهذا لا ضرورةَ تدعو إليه، ومجيءُ " لو " بمعنى " إنْ " شيءْ أثبته بعضُهم على قلة فلا ينبغي أَنْ يُحْمَلَ القرآنُ عليه. وقال ابن عطية: " على أنفسكم " متعلِّقٌ بـ " شهداء " قال الشيخ " فإنْ عنى بـ " شهداء " الملفوظَ به فلا يَصِحُّ، وإنْ عَنَى به ما قَدَّرْناه نحن فيصِحُّ " يعني تقديرَه " لو " بمعنى " إنْ " وحَذْفَ " كان " واسمِها وخبرِها بعد " لو " وقد تقدَّم أن ذلك قليلٌ، فلم يبق إلا أن ابن عطيةَ يريد " شهداء " محذوفةً كما قَدَّرْتُه لك أولاً نحو: " ولم كنتم شهداء " على أنفسكم لوجَبَ عليكم أن تشهدوا.

وقال الزمخشري: " ولو كانَتِ الشهادةُ على أنفسكم " فَجَعَل " كان " مقدرةً، وهي تحتملُ في تقديرِه التمام والنقصان: فإنْ قَدَّرْتَها تامةً كان قولُه " على أنفسكم " / متعلقاً بنفسِ الشهادة، ويكون المعنى: " ولو وُجِدَتِ الشهادةُ على أنفسكم، وإنْ قَدَّرْتَها ناقصةً فيجوزُ أَنْ يكونَ " على أنفسكم " متعلقاً بمحذوفٍ على أنه خبرها، ويجوز أن يكونَ متعلقاً بنفس الشهادة، وحينئذ يكون الخبر مقدراً، والمعنى: " ولو كانَتِ الشهادةُ على أنفسِكم موجودةً، إلا أنه يلزمُ مِنْ جَعْلِنا " على أنفسكم " متعلقاً بالشهادة حَذْفُ المصدرِ وأبقاءُ معمولِه وهو قليلٌ أو ممتنع. وقال أيضاً: " ويجوز أن يكون المعنى: " وإن كانت الشهادة وبالاً على أنفسكم " ورَدَّ عليه الشيخ هذين الوجهين فقال: " وتقديرُه: ولو كانت الشهادة على أنفسكم ليس بجيد؛ لأن المحذوف إنما يكون مِنْ جنسِ الملفوظِ به ليدلَّ عليه، فإذا قلت: " كن محسناً ولو لمَنْ أساء إليك " فالتقدير: ولو كنت محسناً لمَنْ أساء، ولو قَدَّرْته " ولو كان إحسانك " لم يكن جيداً لأنك تحذف ما لا دلالةَ عليه بلفظٍ مطابقٍ " وهذا الردُّ ليس بشيء، فإن الدلالة اللفظية موجودةٌ لاشتراكِ المحذوفِ والملفوظِ به في المادة، ولا يَضُرُّ اختلافُهما في النوع.

السابقالتالي
2 3 4