الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } * { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } * { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } * { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً }

تفريع على قولهيُوفُون بالنذر } إلىقمطريراً } الإنسان 7 ــ 10. وفي هذا التفريع تلوين للحديث عن جزاء الأبرار وأهل الشُكور، وهذا برزخ للتخلص إلى عَود الكلام على حسن جزائهم أن الله وقاهم شرّ ذلك اليوم وهو الشر المستطير المذكور آنفاً، وقاهم إياه جزاءً على خوفهم إياه وأنه لقاهم نضرة وسروراً جزاء على ما فعلوا من خير. وأُدمج في ذلك قوله { بما صبروا } الجامع لأحوال التقوى والعمل الصالح كله لأن جميعه لا يخلو عن تحمل النفس لترك محبوب أو فعل ما فيه كلفة، ومن ذلك إطعام الطعام على حبه. و { لقَّاهم } معناه جعلهم يَلْقَون نضرة وسروراً، أي جعل لهم نضرة وهي حسن البشَرة، وذلك يحصل من فرح النفس ورفاهية العيش قال تعالىوجوه يومئذٍ ناضرة } القيامة 22 فمُثّل إلقاء النضرة على وجوههم بزجّ أحد إلى لقاء أحد على طريقة التمثيل. وضمير الغائبةِ و { نضرة } مفعولا لَقى من باب كَسَا. وبين وَقَاهم و { لَقَّاهم } الجناس المحرَّف. وجملة { وجزاهم بما صبروا جنةً وحريراً } ، عطف على جملة { فوقاهم } وجملة { ولقاهم } لتماثل الجمل الثلاث في الفعلية والمُضيّ وهما محسنان من محسنات الوصل. والحرير اسم لخيوط من مفرزات دودة مخصوصة، وتقدم الكلام عليه في سورة فاطر. وكان الجزاء برفاهية العيش إذ جعلهم في أحسن المساكن وهو الجنة، وكساهم أحسن الملابس وهو الحرير الذي لا يلبسه إلاّ أهل فرط اليسار، فجمع لهم حسن الظرف الخارج وحسن الظرف المباشر وهو اللباس. والمراد بالحرير هنا ما ينسج منه. و { متكئين } حال من ضمير الجمع في { جزاهم } ، أي هم في الجنة متكئون على الأرائك. والاتكاء جَلسة بين الجلوس والاضطجاع يستند فيها الجالس على مرفقه وجنبه ويمد رجليه وهي جلسة ارتياح، وكانت من شعار الملوك وأهل البذخ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " أمَّا أنا فلا آكل متكئاً " وتقدم ذلك في سورة يوسف 31 عند قوله تعالىوأعْتَدَتْ لَهُن مُتَّكَئاً } و { الأرائك } جمع أريكة بوزن سفينة. والأريكة سرير عليه وسادة معها ستر وهو حَجَلتُه، والحجلة بفتحتين وبتقديم الحاء المهملة على الجيم كِلَّة تنصب فوق السرير لتقي الحر والشمس، ولا يسمى السرير أريكة إلاّ إذا كان معه حَجَلة. وقيل كل ما يتوسد ويفترش مما له حشو يسمى أريكة وإن لم تكن له حَجَلة، وفي «الإِتقان» عن ابن الجوزي أن الأريكة السرير بالحبشية فزاده السيوطي على أبيات ابن السبكي وابن حجر في «جمع المعرب في القرآن». وجملة { لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً } حال ثانية من ضمير الغائب في { جزاهم } أو صفة { جنة }. والمراد بالشمس حرّ أشعتها، فنفي رؤية الشمس في قوله { لا يرون فيها شمساً } فيكون نفي رؤية الشمس كناية عن نفي وجود الشمس الذي يلزمه انتفاء حرّ شعاعها فهو من الكناية التلويحية كقوله

السابقالتالي
2