الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ }

أي: وإنْ كنتُ رباً لك ورباً للكافرين فسوف أزيدك خصوصية لك { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ } [طه: 13] أي: للرسالة، والله أعلم حيث يجعل رسالته. لذلك لم نزل القرآن على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اعترض كفار مكة على القرآن، ولم يجدوا فيه عيباً فيما يدعو إليه من أخلاق فاضلة ومُثل عليا، ولم يجدوا فيه مَأْخذاً في أسلوبه، وهم أمة ألِفتْ الأسلوب الجيد، وعَشقَتْ آذانها فصاحة الكلام، فتوجهوا بنقدهم إلى رسول الله فقالوا:لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31]. فكلُّ اعتراضهم أنْ ينزلَ القرآن على محمد بالذات لذلك رَدَّ عليهم القرآن بما يكشف غباءهم في هذه المسألة، فقال:أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } [الزخرف: 32] كيف ونحن قد قسمنا بينهم معيشتهم الأدْنى:نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ } [الزخرف: 32]. وهم يريدون أنْ يقسموا رحمة الله فيقولون: نزل هذا على هذا، وهذا على هذا؟ ثم يقول تعالى: { فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } [طه: 13] مادة: سمع. منها: سمع، واستمع وتسمَّع. قولنا: سمع أي مصادفة وأنت تسير في الطريق تسمع كلاماً كثيراً. منه ما يُهمك وما لا يهمك، فليس على الأذن حجاب يمنع السمع كالجفْنِ للعين، مثلاً حين ترى منظراً لا تحبه. إذن: أنت تسمع كل ما يصل إلى أذنك، فليس لك فيه خيار. إنما: استمع أنْ تتكلَّف السماع، والمتكلم حُر في أنْ يتكلم أو لا يتكلم. وتسمَّع. أي: تكلّف أشدّ تكلّفاً لكي يسمع. لذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم حين يخبر أنه ستُعم بلوى الغِنَاء، وستنتشر الأجهزة التي ستشيع هذه البلوى، وتصبها في كل الآذان رَغْماً عنها يقول: " مَنْ تسمَّع إلى قَيْنة صب الآنك في أذنيه ". أي: تكلَّف أنْ يسمع، وتعمَّد أن يوجه جهاز الراديو أو التليفزيون إلى هذا الغناء، ولم يقُل: سمع، وإلاّ فالجميع يناله من هذا الشر رَغْماً عنه. وهنا قال تعالى: فَاسْتَمِعْ ولم يقُلْ: تسمَّع: لأنه لا يقترح على الله تعالى أنْ يتكلم، ومعنى: استمع أي: جَنِّد كلَّ جوارحك، وهيىء كُلَّ حواسّك لأن تسمع، فإنْ كانت الأذن للسمع، فهناك حواسّ أخرى يمكن أنْ تشغلها عن الانتباه، فالعين تبصر، والأنف يشمّ، واللسان يتكلم. فعليك أنْ تُجنِّد كل الحواسّ لكي تسمع، وتستحضر قلبك لتعي ما تسمعه، وتنفذ ما طلب منك لذلك حين تخاطب صاحبك فتجده مُنْشغِلاً عنك تقول: كأنك لست معنا. لماذا؟ لأن جارحة من جوارحه شردتْ، فشغلتْه عن السماع. وقوله تعالى: { لِمَا يُوحَىۤ } [طه: 13] الوحي عموماً: إعلام بخفاء من أيٍّ لأيٍّ في أيٍّ، خيراً كان أم شراً، أمّا الوحي الشرعي فهو: إعلام من الله إلى رسول أرسله بمنهج خَيْر للعباد، فإنْ كان الوحي من الله إلى أم موسى مثلاً، أو إلى الحواريين فليس هذا من الوحي الشرعي.

السابقالتالي
2