الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ }



{ وَيُسَبّحُ ٱلرَّعْدُ } قيل: هو اسم للصوت المعلوم والكلام على حذف مضاف أي سامعو الرعد أو الإسناد مجازي من باب الإسناد للحامل والسبب، والباء في قوله سبحانه: { بِحَمْدِهِ } للملابسة، والجار والمجرور في موضع الحال أي يسبح السامعون لذلك الصوت ملتبسين بحمد الله تعالى فيضجون بسبحان الله والحمد لله. وقيل: لا حذف ولا تجوز في الإسناد وإنما التجوز في التسبيح والتحميد حيث شبه دلالة الرعد بنفسه على تنزيهه تعالى عن الشريك والعجز بالتسبيح والتنزيه اللفظي ودلالته على فضله جل شأنه ورحمته بحمد الحامل لما فيهما من الدلالة على صفات الكمال، وقيل: إنه مجاز مرسل استعمل في لازمه، وقيل: الرعد اسم ملك فإسناد التسبيح والتحميد إليه حقيقة./ قال في «الكشف»: والأشبه في الآية الحمل على الإسناد المجازي ليتلاءم الكلام فإن الرعد في المتعارف يقع على الصوت المخصوص وهو الذي يقرن بالذكر مع البرق والسحاب والكلام في إراءة الآيات الدالة على القدرة الباهرة وإيجادها وتسبيح ملك الرعد لا يلائم ذلك، أما حمل الصوت المخصوص للسامعين على التسبيح والحمد فشديد الملائمة جداً، وإذا حمل على الإسناد حقيقة فالوجه أن يكون اعتراضاً دلالة على اعتراف الملك الموكل بالسحاب وسائر الملائكة بكمال قدرته سبحانه جلت قدرته وجحود الإنسان ذلك، وأنت تعلم أن تسبيح الملائكة على ما ادعى أنه الأشبه يبقى كالاعتراض في البين.

والذي اختاره أكثر المحدثين كون الإسناد حقيقياً بناء على أن الرعد اسم للملك الذي يسوق السحاب، فقد أخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وآخرون عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما " أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا ما هذا الرعد؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ملك من ملائكة الله تعالى موكل بالسحاب بيديه مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله تعالى قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال عليه الصلاة والسلام: صوته فقالوا: صدقت " ، والأخبار في ذلك كثيرة، واستشكل بأنه لو كان علماً للملك لما ساغ تنكيره وقد نكر في البقرة، وأجيب بأن له إطلاقين ثانيهما إطلاقه على نفس الصوت والتنكير على هذا الإطلاق، وقال ابن عطية: وقيل: إن الرعد ريح تخفق بين السحاب، وروى ذلك عن ابن عباس، وتعقبه أبو حيان بقوله: وهذا عندي لا يصح فإن ذلك من نزغات الطبيعيين وغيرهم. وقال الإمام: ((إن المحققين من الحكماء يذكرون أن هذه الآثار العلوية إنما تتم بقوى روحانية فلكية وللسحاب روح معين من الأرواح الفلكية يدبره وكذا القول في الرياح وسائر الآثار العلوية، وهو عين ما قلنا: من أن الرعد اسم لملك من الملائكة يسبح الله تعالى، فهذا الذي قاله المفسرون بهذه العبارة هو عين ما ذكره المحققون من الحكماء فكيف يليق بالعاقل الإنكار)) اهـ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6