الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَكُّ رَقَبَةٍ }

فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: { فَكُّ رَقَبَةٍ } فكها: خلاصها من الأسر. وقيل: من الرّق. وفي الحديث: " وفك الرقبةِ أن تُعِين في ثَمَنها " من حديث البرَاء، وقد تقدم في سورة «براءة». والفكّ: هو حلّ القيد والرِّق قيد. وسمى المرقوق رَقبة لأنه بالرق كالأسير المربوط في رقبته. وسُمِّي عنقها فَكًّا كفك الأسير من الأَسْر. قال حسان:
كَمْ من أسيرٍ فَكَكناه بلا ثَمَنٍ   وجَزّ ناصيةٍ كنا مَوَاليها
وروى عُقبة بن عامر الجهنيّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار " قال الماوردِيّ: ويحتمِل ثانياً أنه أراد فك رقبته وخلاص نفسه، باجتناب المعاصي، وفعل الطاعات ولا يمتنع الخبر من هذا التأويل، وهو أشبه بالصواب. الثانية: قوله تعالى: { رَقَبَةٍ } قال أصْبَغُ: الرقبة الكافرة ذات الثمن أفضل في العِتق من الرقبة المؤمنة القليلة الثمن لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد " سُئل أيّ الرقاب أفضل؟ قال: «أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها» " ابن العربيّ: «والمراد في هذا الحديث: من المسلمين بدليل قوله عليه السلام: " مَنْ أَعْتَقَ امْرأً مسْلماً " و " مَنْ أَعتقَ رقبةً مُوْمِنة " وما ذكره أصبغ وَهْلَة، وإنما نظر إلى تنقيص المال، والنظر إلى تجريد المعتق للعبادة، وتفريغه للتوحيد، أولى». الثالثة: العِتق والصدقة من أفضل الأعمال. وعن أبي حنيفة: أن العتق أفضل من الصدقة. وعند صاحبيه الصدقة أفضل. والآية أدل على قول أبي حنيفة لتقديم العتق على الصدقة. وعن الشعبي في رجل عنده فضل نفقة: أيضعه في ذي قرابة أو يعتق رقبة؟ قال: الرقبة أفضل لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " من فك رقبة فك الله بكل عضو منها عضواً من النار "