الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

القراءة: قرأ ابن عامر فأمتِعهُ بسكون الميم خفيفة من أمتعت والباقون بالتشديد وفتح الميم من مَتّعت وروي في الشواذ عن ابن عباس فأُمْتِعْه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار على الدعاء من إبراهيم عليه السلام وعن ابن محيصن ثم أطّره بإِدغام الضاد في الطاء. الحجة: قال أبو علي التشديد في أمتعه أولى لأن التنزيل عليه قال سبحانهيُمتّعكم متاعاً حسناً } [هود: 3]وكمن مَتَّعناه متاع الحياة الدنيا } [القصص: 61] ووجه قراءة ابن عامر أنّ أَمتع لغة قال الراعي:
خَلِيلَينِ مِنْ شَعْبَينِ شَتَّى تَجَاوَرَا   قَدِيْماً وَكَانَا بِالتَّفَرُّقِ أَمْتَعَا
قال أبو زيد أمتعا أراد تمتعا فأما قراءة ابن عباس فأَمْتِعه فيحتمل أمرين من ابن جني أحدهما: أن يكون الضمير في قال لإبراهيم أي قال إبراهيم أيضاً ومن كفر فأَمْتِعة يا رب وحسن إعادة قال لطول الكلام ولأنه انتقل من الدعاء لقوم إلى الدعاء على آخرين والآخر أن يكون الضمير في قال لله تعالى أي فأَمْتِعه يا خالق أو يا إله يخاطب بذلك نفسه عز وجل فجرى ذلك على ما تعتاده العرب من أمر الإنسان لنفسه كقول الأعشى:
ودِّعْ هُرَيْرَة إِنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلُ   وَهَلْ تُطِيقُ وَدَاعاً أيُّهَا الرَّجُلُ
اللغة: البلد والمصر والمدينة نظائر وأصله من قولـهم بلد للأَثر في الجلد وغيره وجمعه أبلاد ومن ذلك سميت البلاد لأنها مواضع مواطن الناس وتأثيرهم ومن ذلك قولـهم لكِرْكِرة البعير بلدة لأنه إذا برك تأثرت والاضطرار هو الفعل في الغير على وجه لا يمكنه الانفكاك منه إذا كان من جنس مقدوره ولهذا لا يقال فلان مضطر إلى لونه وإن كان لا يمكنه دفعه عن نفسه لما لم يكن اللون من جنس مقدوره ويقال هو مضطره إلى حركة الفالج وحركة العروق لما كانت الحركة من جنس مقدوره والمصير الحال التي يؤدي إليها أول لها وصار وحال وآل نظائر وصير كل أمر مصيره وصير الباب شقه وفي الحديث: " من نظر في صير باب فقد دمر " وصيور الأمر آخره. الإعراب: قولـه { من آمن } محله نصب لأنه بدل من أهله وهو بدل البعض من الكل كما تقول أخذت المال ثلثه وجعلت متاعك بعضه على بعض وقولـه { ومن كفر } ويجوز أن يكون موصولاً وصلة في موضع الرفع على الابتداء ويجوز أن يكون من أسماء الشرط في موضع رفع بالابتداء وكفر شرطه و { فأمتعه } الفاء وما بعده جزاء ومعنى حرف الشرط الذي تضمنه { مَن } مع الشرط والجزاء في موضع خبر المبتدأ وعلى القول الأول فالفاء وما بعده خبر المبتدأ { وبئس المصير } فعل وفاعل في موضع الرفع لأنه خبر مبتدأ محذوف تقديره وبئس المصير النار أو العذاب وانتصب قليلاً على أحد وجهين: أحدهما: أن يكون صفة للمصدر نحو قولـه { متاعاً حسناً } قال سيبويه ترى الرجل يعالج شيئاً فيقول رويداً أي علاجاً رويداً وإنما وصفه بالقلة مع أن التمتيع يدل على التكثير من حيث كان إلى نفاد ونقص وتناهٍ كقولـه سبحانه

السابقالتالي
2 3