الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }

{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله } أي أخلص نفسه له تعالى لا يعرف لها رباً سواه، وقيل: أخلص توجهه له سبحانه، وقيل: بذل وجهه له عز وجل في السجود، والاستفهام إنكاري وهو في معنى النفي، والمقصود مدح من فعل ذلك على أتم وجه، و { دِينًا } نصب على التمييز من { أَحْسَنُ } منقول من المبتدأ، والتقدير: ومن دينه أحسن من دين من أسلم الخ، فيؤول الكلام إلى تفضيل دين على دين، وفيه تنبيه على أن صرف العبد نفسه بكليتها لله تعالى أعلى المراتب التي تبلغها القوة البشرية، و { مِمَّنْ } متعلق بأحسن وكذا الإسم الجليل، وجوز فيه أن يكون حالاً من { وَجْهَهُ }.

{ وَهُوَ مُحْسِنٌ } أي آت بالحسنات تارك للسيئات، أو آت بالأعمال الصالحة على الوجه اللائق الذي هو حسنها الوصفي المستلزم لحسنها الذاتي، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الإحسان فقال عليه الصلاة والسلام: " أن تعبد الله تعالى كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ، وقيل: الأظهر أن يقال: المراد وهو محسن في عقيدته، وهو مراد من قال: أي وهو موحد، وعلى هذا فالأولى أن يفسر إسلام الوجه لله تعالى بالانقياد إليه سبحانه بالأعمال، والجملة في موضع الحال من فاعل { أَسْلَمَ }.

{ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرٰهِيمَ } الموافقة لدين الإسلام المتفق على صحتها، وهذا عطف على { أَسْلَمَ } وقوله سبحانه: { حَنِيفاً } أي مائلاً عن الأديان الزائغة حال من { إِبْرَاهِيمَ }. وجوز أن يكون حالاً من فاعل { ٱتَّبَعَ } { وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرٰهِيمَ خَلِيلاً } تذييل جيء به للترغيب في اتباع ملته عليه السلام، والإيذان بأنه نهاية في الحسن، وإظهار اسمه عليه السلام تفخيماً له وتنصيصاً على أنه الممدوح، ولا يجوز العطف خلافاً لمن زعمه على { وَمَنْ أَحْسَنُ } الخ سواء كان استطراداً أو اعتراضاً، وتوكيداً لمعنى قوله تعالى:وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتَ } [النساء: 124] وبياناً لأن الصالحات ما هي؟ وأن المؤمن من هو لفقد المناسبة، والجامع بين المعطوف والمعطوف عليه وأدائه ما يؤديه من التوكيد والبيان، ولا على صلة { مَنْ } لعدم صلوحه لها وعدم صحة عطفه على { وَهُوَ مُحْسِنٌ } أظهر من أن يخفى، وجعل الجملة حالية بتقدير قد خلاف الظاهر، والعطف على { حَنِيفاً } لا يصح إلا بتكلف، والخليل مشتق من الخلة بضم الخاء، وهي إما من الخلال بكسر الخاء فإنها مودة تتخلل النفس وتخالطها مخالطة معنوية، فالخليل من بلغت مودته هذه المرتبة كما قال:
قد (تخللت) مسلك الروح مني   ولذا سمي الخليل خليلاً
فإذا ما نطقت كنت حديثي   وإذا ما سكت كنت الغليلا
وإما من الخلل كما قيل على معنى أن كلاً من الخليلين يصلح خلل الآخر، وإما من الخل بالفتح، وهو الطريق / في الرمل لأنهما يتوافقان على طريقة، وإما من الخلة بفتح الخاء إما بمعنى الخصلة والخلق لأنهما يتوافقان في الخصال والأخلاق، وقد جاء

السابقالتالي
2 3